استفز ظنوني واستعيذ بألف آية حزن لعلني استعيد توازن الذكريات بروحي، تلك التي تنتفض بالفرح حين يشتد صخب موج الخسارات، والتي ما اكثرها في عالم اليوم، فتأخذني رعشة من حنين، ولكي اكون اكثر صدقا اضيع بزخة من البكاء يحرق اجفاني وتتبخر من ذاكرتي كلمات كنت اختزنتها، لكأن البكاء حاجز ماء يمنع سيل المشاعر أو يلغي هذيان الروح في لحظات التجلي، تلكم هي أسطورة الحزن الذي ترتوي به عيون النساء والتي توارثها الأبناء من أول يوم ولادتهم بكاء في بكاء في بكاء، حين تطفو من الأعماق ذكريات عن رفاق تمنيت أن تلتقي بهم في ظروف يبتسم فيها الصباح لغناء العصافير، كي تقرأ في عيونهم كيف تكون ألوان قوس قزح حين يتسلل شعاع شمس عبر نثيث مطر جميل، هم في الحقيقة ألون قوس قزح لأنهم يمنحون شعاع الشمس شحنة انكساراته بين قطرات الماء، والشهيد ابو ستار...شهيد من قوس قزح..كان يرسم تفاصيل طموحاته بعراق من نغم تعشقه الصبايا وتركع عند أقدامه قارات العالم، كنت أساله أين تريد بهذا العراق؟
أريد به أن يصعد إلى السماء
وكيف يصعد والسلالم خاوية؟
سنصنع له سلالم من حبنا وسوف يكون له سند كل الطيبين من العالم
وهذه العواصف التي تجتث كل الجذور؟
سيتكفل بها أبناء شعبنا
تسكرني الثقة بحب الناس وتمنحني مهارة المشي على الحبال، رغم جراحي التي أثقلتها هذه الثقة بالخذلان، أبو ستار يطمح، وربما يعرف أن الطموح هو صخرة يجب تفتيت خلاياها حتى يتسنى التمتع بجمال تلك الخلايا، أبو ستار كان يطمح أن يحقق أحلامه خارج جغرافية الوطن وبعيدا عن زمن الانكسارات، لهذا قرر أن يكون في مكان أخر وزمن آخر، كان يحسب الدقائق ويتغزل بالوقت فلا شيء اجمل من أن يعود إلى حيث الحياة، هناك يستطيع أن يرى كل ما هو جميل لهذا العراق، وهو الذي يعرف أن هذا العراق سوف يخسر الكثير.
تنتهي الحرب مع إيران وتنتهي معها أحلام من يريد أن يشعل سيكارته من حريق العراق، الفاشية لا تريد لجنودها الاستمتاع بالراحة، لهذا تم نقل قطاعاتهم إلى كردستان، الوضع العسكري للمعارضة ولفلاحي المنطقة يرتبك، أو في الحقيقة كل شيء يغرق في بحر المجهول، ينسحب ابو ستار مع رفاقه إلى الحدود، ولكن جسده لا يتحمل التعب والسهر، فيغفو عند صخرة، وحين يصحو لا يرى غير جنود النظام تحيط بالعشرات من القرويين، هو لا يجيد اللغة، هو لا يدري ماذا يفعل، هو ينسجم في حفل الاستشهاد الجماعي في كَلي بازه.
هو الشهيد علاء ياسين من الناصرية متخرج من كلية الادارة والاقتصاد تم إعدامه في قرية كَلي بازه في برواري بالا مع مجموعة من الفلاحين تجاوزت الـ 500 شخص.