شهداء الحزب

"حسن سريع" مازالت هامتك اطول من تطاولهم

استناداً الى الوثائق الرسمية والبيانات التي اعلنتها ما يسمى بـ(المجلس الوطني لقيادة الثورة) صباح الثلاثاء من تموز عام 1963، فان معلومات وردت الى:"وزارة الدفاع وقيادة الحرس القومي مفادها ان الشيوعيين اخذوا يروجون الاشعاعات عن الثورة، ونظامها التقدمي العظيم، وصاروا يرددون احاديث متعددة عن قرب النهاية وعن النصر والثأر، فانتشرت قوات الامن والاستخبارات والحرس القومي في كل مكان. حتى تم اكتشاف خلية شيوعية، جهز افرادها بملابس عسكرية، وشارات حمراء وبيضاء ظهر انها كانت مخصصة لتحملها المقاومة الشعبية، ومن الاعترافات التي ادلى بها افراد هذه الخلية: علمنا بان فلول الشيوعيين قد قررت القيام بمحاولة انتحارية في الخامس من تموز، تبدأ في معسكر الرشيد الذي يحوي عددا من الضباط والمدنيين الشيوعيين والمعتقلين وغرضها اطلاق سراحهم وتوزيعهم على الوحدات العسكرية لمحاولة السيطرة عليها. وبناء على هذه المعلومات، تقرر نقل الضباط الشيوعيين المعتقلين في معكسر الرشيد الى سجن آخر في يوم 3/7/1963، وهذا ما جعل المتآمرين يقدمون موعد مؤامراتهم".
واستناداً للبيانات الرسمية، فان هذه "المؤامرة الشيوعية الصغيرة" سارت على نحو التالي:
" في الثالثة والربع من فجر الثالث من تموز شوهدت مجموعة مسلحة تتألف من عدد من الشيوعيين وقد تجمعوا في مركز التدريب المهني لقطع المعادن وخرجوا منه باتجاه سرية حراسة معسكر الرشيد والباب النظامي و كتيبة هندسة الميدان الخامسة وكتائب الدروع داخل المعسكر، كما توجه اغلبهم الى السجن العسكري، وقد تمكنت هذه الزمرة من كسر مشاجب السلاح في مركز التدريب واستولوا على ما فيها من اسلحة".
ثم يقفز البيان العسكري على الاحداث، وينسى ان بيان ما يسمى "بالمجلس الوطني لقيادة الثورة" قد قاد "بان المؤامرة ابيدت خلال نصف ساعة" فيذكر ان: " عن السلام عارف، هرع الى معسكر الرشيد واشرف على المعارك بمعاونة الرئيس الاول حازم الصباغ". (من الجدير بالذكر هنا، ان المجرم حازم الصباغ انتحر صبيحة الثامن عشر من تشرين 1963 لاعتقاده بان الشيوعيين قد جاءوا الى الحكم !).
ويذكر البيان من جهة اخرى، ان "طاهر يحيى رئيس اركان الجيش قد توجه الى المعسكر، كما توجهت الى المعسكر قطعات الحرس القومي.. وفي الوقت نفسه كان احمد حسن البكر رئيس الوزراء، وصالح مهدي عماش وزير الدفاع وخالد مكي الهاشمي معاون رئيس اركان الجيش يشرفون من ثكنة القصر الجمهوري ووزارة الدفاع على عمليات تحشيد القطعات العسكرية وخطة الامن داخل العاصمة.
ويواصل البيان الرسمي وصف حالة الرعب التي عصفت بسلطة الانقلابيين فيقول ان: " علي صالح السعدي نائب رئيس الوزراء وحردان التكريتي قائد القوة الجوية، ورشيد مصلح الحاكم العسكري العام، قد هرعوا الى المعسكر اضافة الى حازم جواد وزير شؤون رئاسة الجمهورية ووزير الداخلية وطالب حسين الشبيب وزير الخارجية فهاجمتهما زمرة من المتأمرين واطلقت عليهم النار قرب الباب النظامي لمعسكر الرشيد. فجردتهما من السلاح واعتلقت وزيري الخارجية والداخلية، واصدرت حكماً باعدامهما. كما اعتقلت الزمرة المتأمرة مقدم الجو منذر الونداوي القائد العام لقوات الحرس القومي والرئيس نجاد الصافي من قيادة الحرس القومي، وسجنتهما في مركز التدريب المهني".
أي هلع اصاب زمرة الانقلابيين؟ واي رعب ذلك الذي عصف بهم يوم ثأر المناضل البطل حسن سريع ورفاقه لحزبهم ولشعبهم ولثورة الرابع عشر من تموز؟
وفي جو الرعب والهلع هذا، وهو جدير بالقتلة، ازداد الارتباك وتعددت البيانات فاصدر الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع بيانا قال فيه: "انه تم العثور على ثمانية بيانات بحوزة المتآمرين، وانهم كانوا ينوون اذاعتها. وان هذه البيانات كانت موقعة من قبل ما سموه بالقيادة الثورية للجبهة الشعبية، وقد تضمن بيان المتآمرين الاول اعلان النظام الشيوعي في العراق، كما نصت البيانات الاخرى على حل الحرس القومي واوامر بالقبض على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وقادة الجيش والحرس القومي. كما تضمنت بيانات اخرى تعيينات قادة الجيش حيث عين المتآمرون المجرم الهارب هاشم عبد الجبار رئيسا لاركان الجيش وغضبان السعد حاكما عسكريا عاما، وجلال بالطه قائدا للفرقة الثانية وطه مصطفى البامرني قائدا للفرقة الثالثة وعريبي فرحان قائدا للفرقة الاولى، وسعيد مطر قائدا للفرقة الرابعة وسليم الفخري قائدا للفرقة الخامسة وموسى كاظم الجبوري قائدا للمقاومة الشعبية".
وفور الاعلان عن القضاء على تلك الانتفاضة الباسلة، كانت الرعب قد انتقل الى الحكومات الرجعية العربية فانهالت برقيات التهنئة على عبد السلام عارف قائد الانقلاب الاسود في 8 شباط 1963 من الرؤساء والملوك العرب ومن وراء المحيطات، وهم يباركون لهم البقاء فترة اخرى بعيدا عن قصاص الشعب.
وفيما كانت اذاعة الانقلابيين تفح وتنفث سمومها على الشيوعيين ، وفيما كانت اجهزة النظام القمعية تعد العدة لمجزرة جديدة عرفت في تاريخ العراق باسم "قطار الموت" كان الحاكم العسكري يسال البطل الشيوعي "حسن سريع باستغراب:
* كيف.. وباي حق تطمح وانت نائب عريف بحكم العراق؟
فكان الرد هائلا وقويا:
- ما اردت شيئا لنفسي.. ما ردت غير تخليص العراق من زمرتكم!
وكعادة الفاشيين، واستجابة لروح الهلع التي سيطرت عليهم، قاموا بتنفيذ حكم الاعدام بحسن سريع ورفاقه فور انتهاء المحكمة الصورية.
ما هي الا ايام، حتى اطاح الانقلابيون ببعضهم. وما هي الا ايام وسنوات حتى اقتصت دماء الشهداء من القتلة الذين راحوا يتخبطون، ونزلوا ببعضهم قتلا وتشهيرا.
وهاهم وراجعوا اسماءهم وقد اطيح بهم مجرما اثر مجرم، وبقيت هامة الشيوعي حسن سريع اطول من كل تطاولهم.
ـــــــــــــــــــــــــ
رسالة العراق ص23
العدد 91/ تموز/ 1988