ترك شهداء الحزب بصمات واضحة في مسيرته النضالية, والحديث عنهم لا يمكن أن يستقيم بصيغة الماضي , فهم باقون مع رفاقهم وأصدقائهم يرافقوهم للأبد, فالذاكرة تكون ضاجة بهم , والحديث عنهم واستذكارهم هو جزء يسير من الوفاء لهم ولمواقفهم في صفحات تأريخ شعبهم وحزبهم.
الفنان التشكيلي الشهيد وسام حسون صالح الكروي الابن البكر لعائلة الكادح حسون صالح الذي نزح من ريف سوق الشيوخ وسكن الديوانية عام 1963 وكان الشهيد من مواليد عام 1961 ,أكمل الدراسة المتوسطة والإعدادية في الديوانية وتخرج من الإعدادية المركزية عام 1980 ودخل أكاديمية الفنون الجميلة- جامعة بغداد, لحبه للفن التشكيلي, وله هوايات الغناء والتمثيل المسرحي والعزف على آلة العود ,يتصف بالمثالية والأخلاق العالية , تربى على يد والده بحبه للفقراء والمحتاجين, علمَهُ الشجاعة والصدق والأمانة والإيثار والإقدام ,فكان شيوعياً حقيقياً صلباً عنيداً.
نهلَ الشهيد من عمه المغترب كاظم صالح الكثير من المبادئ والأفكار اليسارية وله الدور الكبير في اعتناق الفكر الشيوعي ومطالعة أدبيات الحزب الشيوعي العراقي , وظل ملاصقاً لعمه إلى حين رحيله ,لحسه الوطني المرهف وحبه للمطالعة واقتناء الكتب وحب شعر النواب وحفظة والاحتفاظ بتسجيل قصائده, كما دعا والدته لتعلم القراءة والكتابة بمساعدته, كونه يحمل أفكار الانتصار للمرأة وحقوقها. له دور قيادي في تنظيمات اتحاد الطلبة في مرحلتي المتوسطة والإعدادية, كان جريئاً محبوباً بين أقرانه .
انتمى الشهيد وسام حسوني للحزب الشيوعي العراقي أواسط السبعينات , وعند انفراط عقد التحالف الجبهوي مع حزب السلطة عام 1977 ولعشقه لحزبه و مبادئه واندفاعه الشديد للعمل , دفعه للتنظيم السري في صفوف الحزب, وباتفاق مع رفاقه على إعادة التنظيم ودعوة الرفاق الموثوق بهم ممن لم يكشفهم النظام , كان المشرف على تنظيمهم الشهيد ( إقبال عواد) الذي ينحدر من عائلة مناضلة فتم تسمية تنظيمهم بتنظيم (ناصر عواد), بعد توديع مسؤول التنظيم والالتحاق بالأنصار في كردستان استلم التنظيم الشهيد وسام حسون , وكان يشرف على محافظة بابل وبغداد والديوانية , وترأس تنظيماً قوامه ثلاثون رفيقاً كان من ضمنهم كل من : ( أياد صاحب الوالي ,الشقيقان هادي ومهدي كاظم الرازقي, عزيز شريف , صارم سلمان آل شنين, راجح حاشوش , جلال , عصام ,علي مجيد ,عماد عبد عطية , عبد الرضا سلمان جابر,محمد وهيب مهدي الحسناوي , والمعلم جميل مكط شنيور,فائز عبد الجليل زهرون). كان مكان اجماعاتهم التنظيمي في مدينة الحلة حي الصحة, بالاتفاق مع الرفاق على الاتصال بالوكر عن طريق هاتف عمومي للتأكد من عدم مراقبة أمن النظام لهم قبل حضور الاجتماع , لكن دخول عناصر مندسة في التنظيم, مما سهل عملية إلقاء القبض عليه في الحلة مع رفاقه الآخرين في مدينة الحلة وكشف خطوط التنظيم .
كان هم الشهيد وسام حسون الاتصال بتنظيم الأنصار في إقليم كردستان بواسطة الشهيد ( إقبال عواد), وتم نقل البريد من داخل الوطن إلى إقليم كردستان , وجمع التبرعات بواسطة الشهيد فائز عبد الجليل زهرون الذي يعمل صائغاً في بغداد لدعم حركة الأنصار مادياً.
بعد إلقاء القبض على الشهيد وسام وإعلام عائلته بذلك ,أخذت والدته بالبحث عن مكان اعتقاله و من ضمن أماكن البحث دائرة أمن الديوانية لمعرفة مصير ابنها بعد الاعتقال كما أشار عليها بعض المعارف بتقديم عريضة لسعدون حمادي أحد رموز النظام المباد, والذي أوعدها بعد مرور عشرة أيام سيفيها بالجواب ,ولكن عند مراجعة سعدون حمادي كان الحوار كالآتي:
سعدون حمادي- كم عندك من الأولاد؟
أم وسام أستاذ خمسة.
سعدون حمادي- بعد رفع يديه إلى الأعلى وأومأ إلى إصبعه قائلاً: إذا خاس أحد أصابعك ماذا تفعلين.
أم وسام- أكصه.
سعدون حمادي- ونحن فعلنا ذلك.
كان هذا الكلام كالصاعقة وقع على رأس الأم التي تعبت وربت وأصبح ابنها في دور الجامعة وعلى وشك التخرج ليعيلهم وهم يعيشون براتب تقاعدي لا يسد الرمق وفي ظل ظروف صعبة.
يروي رفيقه علي مجيد الذي أطلق سراحه بعد أيام الانتفاضة عام1991, إن أفراد التنظيم تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب في مديرية أمن بغداد وخلال أكثر من ثمانية أشهر , حتى قدموا إلى محكمة الثورة السيئة الصيت التي كان يرأسها المجرم عواد البندر, فقد قرأ عليهم قرار الإعدام والبعض المؤبد , ما دفعهم الى خلع ما يلبسونه من أحذية ورمي البندر بها ثم بصقوا عليه وهتفوا بسقوط الطاغية صدام ولتعش أفكار الشيوعية وقائدها فهد.
بتاريخ27-3-1985 تم تنفيذ حكم الإعدام بهذه الكوكبة من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي , وابلغ ذووهم بذلك لكي يستلموا الجثامين من ثلاجة سجن (أبو غريب), بعد دفع خمسة دنانير ثمناً لحبل المشنقة, فقد استلم جثمان الشهيد وسام عمهٌ ووالدته وأخوه جعفر, وكان التبليغ بعدم إقامة الفاتحة والإسراع فوراً لدفنه وإلا تكون العواقب وخيمة , فقد حكم على جميع أعضاء التنظيم بالإعدام كل من (وسام حسون صالح البدري ,هادي كاظم جاسم الرازقي ,مهدي كاظم جاسم الرازقي ,كريم كاظم ,جميل مكط شنيور ,عزيز كريم شياع البدري ,كريم فرهود خضير العامري ,فائز عبد الجليل زهرون الداموك ,راجح حاشوش خليفة الزبيدي , فاهم موسى لطيف الخضيري ,عبد الرضا سلمان جابر الأزرقي ,كريم الضويري ,عماد عبد عطية) إلا إن كل من الرفاق الآخرين حكم عليهم بالمؤبد وهم (راجح حاشوش , فاهم موسى لطيف , محمد وهيب ) .
بعد استشهادهم قام بعض الفنانين من أصدقاء الشهيد وسام حسون بعمل مسلسل في كردستان بعد أحداث1991 يمجد دور الشهيد النضالي ورفاقه , وكان في مقدمة المسلسل الإهداء للشهيد وسام حسون صالح والشهيد دلشاد , وقد رثاه صديقه وزميله الشاعر سعد المرعبي بقصيدة نشرت على أحد مواقع النتّ, وبعد سقوط النظام أقيم في محلية الديوانية للحزب الشيوعي العراقي معرض تشكيلي ضم بعض أعمال الشهيد وسام حسون صالح. هذا ديدن المناضلين ومن ضحوا بأرواحهم ليسقوا أرض العراق دمائهم الطاهرة , رفيقي العزيز أنا كل عقيدتي إن الشهداء أعمالهم تبقى خالدة , وأخاطبكم أيها الشهداء ,إن رفاقكم لن ولم ينسوكم أبداً , أخي الشهيد وسام حسون , أخوك جعفر يبعث إليك السلام ويقول : سوف أبكيك دماً وأنا المفجوع كلما أسمع وأرى حجم ضحايا الدكتاتور يزداد عزمي وقوتي إصراراً على محاربة كل أشكال الظلم والطغيان , حتى ينعم عراقنا بالديمقراطية والسلام. إلى من ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل الوطن والحزب , لتجف الدموع من مآقي المظلومين وليسعد الشعب , ما عرفناكم غافلين ولكن نهدي إليكم ورودنا الحمراء.