- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 17 تشرين2/نوفمبر 2015 21:10
البشر ازاء الحياة والموت اربعة .. واحد يولد مقيداً فيموت مقيدً .. وواحد يولد مقيداً ليموت حراً ..واخر يولد حراً فيموت مقيداً .. واما الرابع فيولد حرا ويرحل حراً فيكون من الخالدين.
وانت يا سعدون ولدت حراً ونشأت على كل تعاليم الحرية والسمو نحو التحرر والخلاص , وتسلحت بعلوم ومعارف الحق والفضيلة التي اصبحت جزءاً من كيانك الشخصي .. وحين قررت الالتحاق بالحركة الوطنية والديمقراطية فكان خيارك حراً لتكون مع الاحرار وحزبهم العظيم.. كنت حراً في اللحظات الحاسمة من حياتك وحياة الحزب الذي اصبح جزءاً منك .. فقررت المشاركة في حروب التحرير والخلاص .. منذ ان اصبحت مقاتلاً في صفوف المقاومة الفلسطينية لانها كانت تعبر عن وجدان الخلاص من الاحتلال والظفر بوطن مستقل رغم انها لم تكن عراقية المنشأ والتكوين لكنك جسدت فيها درسك الاممي في الوقوف مع الانسان ومن اجل حرية وبناء الانسان وحين دعاك وطن الرافدين قررت بأختيارك الايماني والفكري ترك المعرفة الاكاديمية لتكون احد الاحرار الذين قارعوا كل مظالم الدكتاتورية .. وبينما كان النظام ومريدوه مقيدين بحرسهم اللاوطني .. كنت تحطم كل القيود التي وضعها النظام البائد في كل شارع ومدرسة ومدينة .. وتنازلهم في عقر دارهم التي يظنون انها محصنة ولا يقوى احد على كسر اطواقها .. كنت تتجول في شوارع العراق ومدنه ..تعيد تنظيم الصفوف وترتب حالة البيت العراقي والحزبي .. وامام جبروت الجبال وقسوتها كنت تقفز من القاع الى القمة وتلقن اعداء العراق كل الدروس البليغة في الدفاع عن الانسان وحقوقه وبكل مشاربه القومية والدينية والاثنية .. لقد كنت قاسيا مع النظام وازلامه وقاسيا مع كل من خان القضية .. وبالمقابل كنت وديعا دافئا مع كل المحبين وحاضنا لكل الوطنيين .. عربا كردا كلدانا واشوريين وصابئة وايزيديين وغيرهم .
وحين جاءت لحظة الشهادة فكانت تاريخا كاملا من الحرية التي كنت تنشدها لانك لم تذعن للارهاب والجريمة والتخلف .. كانت لحظات شهادتك رمزا من رموز الرحيل بحرية مفعمة بنكران الذات والعزيمة والكبرياء .. نعم ابا كفاح انك ولدت حراً ورحلت حراً فكنت من الخالدين.
عذراً ( ابو الكفاح) من اين نبدأ .. من شبابك الذي سطرت فيه تاريخاُ من الوطنية والاممية .. من الطيبة الخارقة التي شاطرت فيها كل محبيك ورفاقك .. من البطولة التي تعرفها جبال كردستان .. سهولها ووديانها .. من تاريخك المحفوف بالدم .. من روحك التي وضعتها على كفيك وانت تجوب المدن العراقية .. من اين نيدأ ..من اقداح الشاي التي تقدمها بيديك الى ضيوفك في مكتب الاندلس .. من الابتسامة الواعدة والساحرة .. فبحق كل شهيد ضحى في الدفاع عن حزبك العظيم .. كان حتى اليائس والقانط حين تباغته بضحكتك وايثارك وتفانيك ينسى كل التعب والعتب .. ويهتف بداخله .. هذا هو العراق الحقيقي وهذا هو الحزب الحقيقي وهذا هو الانسان الذي ننتظر .. كل شيء فيك كان رائعاً جميلاً حتى موتك الذي حاول السفلة والقتلة تشويه ملامحك لحقدهم الدفين على دورك الخلاق للعراق واهله .. لكنهم لم يشوهوا ايات الجمال الفكري والتنظيمي والانساني في كينونتك الطاهرة والتي ستظل معنا الى ابد الدهر وحتى ينعم العراق ب( وطن حر وشعب سعيد) .
ابا الكفاح .....
مثلما تبدأ الشمس يومها تجمع شرائطها الذهبية لترسم لوحة النهار .. كنت تبدأ يومك برائحة الفكر .. بخرائظ التنظيم بمنجز الزناد .. وبشرفة من حلم مرَّ من فوهة الحقيقة .. كنت تنهض من قاع النخيل وتسمو .. حتى يسري في عروقك دفء ثلج كردستان .. وعند الاستراحة تقدم لنا رمانة كربلائية مدافة برائحة الحسين ..
وتسألنا يا اصدقائي .. بارفاقي .. هل وفيت ...
مثلما تدغدغ المياه اثداء الطين .. كي تنبثق من ارض المسرات هامات النخيل .. كنت تشرق في كل واقعة .. كل خلية .. كل قرية .. كل مدينة .. وتهمس لنا :
بغداد .. تسأل عنا .. فلا توزعوا القبلات من دون احتراس
بغداد تعشقنا .. فلا تمنحوا العشق لغيرها
بغداد .. تجفف الذكرى الاليمة .. فلا تناموا على ارصفة الضياع
بغداد لا تحبكم .. الا اذا اّخيتم بين رجالها ونسائها واطفالها
ثم تهمس لنا .. وتصرخ بنا ..
ما مرَ يوم وتركت بغداد تنام على ضيم الا وآويتها بين حرارة ضلوعي ووجداني ...
ثم تهمس لنا .. هل وفيت .. نعم لقد وفيت واكثر .. وهل هناك وفاء اكبر من الشهادة من اجل شعبك وحزبك .. لكنها ايها الراحل الكبير خسارة كبيرة ..لقد كنت ( حزام الظهر ) لرفاقك واصدقائك .. فيا لصبرهم ويا لصبرنا الجميل ..
سؤال اخير .. لماذا رحلت وتبقى على وجه البسيطة كل ديناصورات الخراب ...سؤال بحاجة الى تنزيل جديد.