مسيرة الحزب ما زالت حافلة بمئات الأسماء ممن يستحقون العناء والكتابة عنهم, رحلوا وهم متمسكين بسمو المبادئ التي آمنوا بها , من تلك الأسماء الشهيد عباس خضير (ابو سلام) الذي ترعرع في قرية البو شناوة معقل الشيوعيين العراقيين في منطقة الفرات الأوسط , عاش الشهيد في ظروف قاسية صعبة هي عيشة الفلاح العراقي في الوقت الصعب .
انتمى الشهيد للحزب بواسطة الشهيد كاظم الجاسم(أبو قيود) مطلع الخمسينيات من القرن الماضي, يذكر الباحث محمد علي محيي الدين: إن الشهيد كان من" ضمن الهيئة الرئيسية للتنظيم الفلاحي, وتولى مسؤولية الكثير من التنظيمات الريفية لجنوب الحلة , فأدى ما عليه على أحسن ما يكون من أداء ", بعد ثورة تموز 1958 التي توجت نضالها بقانون الإصلاح الزراعي كان الشهيد الواجهة أمام زمر الإقطاع في المنطقة من اجل تطبيق القانون, فكان شعلة من الحماس والنشاط في المهمات التي اسند ت إليه ومن ضمنها الجمعيات الفلاحية, فانتخب عضوا فيها عن لواء الحلة وفي لجنة التوجيه الفلاحي , لكن بعد تراجع الثورة وارتدادها وسيطرة انقلابيي 8 شباط 1963 على مقاليد السلطة, كان (أبو سلام) على قائمة المطلوبين مع رفاقه الآخرين, وقد نسب للعمل في أرياف القاسم الممتدة لمسافات شاسعة بما فيها ناحية السنية المرتبطة إداريا بلواء الديوانية , وتمكن في فترة وجيزة من إعادة البناء وتنشيط عمل الخلايا, وكانت محلية بابل في وقتها قد سعت لبناء مفارز أنصارية تقوم بأعمال عسكرية لمواجهة الحرس القومي وتأديب العناصر الموالية للسلطة الجديدة", و بمداهمة منطقة الطليعة الواقعة بين الحلة والديوانية من قبل قطعان الحرس القومي ومجموعة من الشرطة بتأريخ 13-8-1963 طوق المنزل الذي كان فيه الشهيد, فقاومهم بسلاحه الذي لا يفارقه , وحدثت مواجهة غير متكافئة بين الطرفين .
كانت قصة استشهاده كما يرويها ابنه عطا عباس خضير إذ يقول " أصيب الوالد بعدة اطلاقات نارية في ساقيه، ثم خضع لتعذيب وحشي بغية انتزاع اعترافات منه أو للحصول على توقيع منه على الأقل متعهداً بترك الحزب والعمل السياسي، لكنهم لم يحصلوا على مبتغاهم. لقد قطعوا جسده أرباً أرباً ولم تعثر الوالدة إلا على بقايا جسد في حفرة على الطريق العام بين الحلة وكربلاء ...وليلة المداهمة، كان الشهيد مكلفاً بالتوجه إلى مناطق ريف الكفل والكوفة لإعادة بناء تنظيمات الحزب التي تضررت كثيرا أبان الانقلاب الأسود ... وكان ذلك آخر اجتماع له مع العم الشهيد كاظم الجاسم... شهيدان شيوعيان باسلان ، معا وضعا قرية صغيرة نائية في أرياف الفرات الأوسط (قرية البوشناوة) ، وضعاها بفخر على خارطة الحركة الوطنية العراقية ... فأغلب قادة الحزب الشيوعي العراقي مروا من هناك، لكن يبقى سلام عادل ، تلك العلامة الإنسانية الفارقة، أكثرهم بريقا وحضورا في سماء القرية الوضاءة . كانت أمي (زوجة الشهيد عباس خضير) تتذكر ولساعة رحيلها قبل سنوات أربع ، تتذكر (أبو علي) سلام عادل ..تقول.." لن تنجب امرأة مثله أبداً ، نموذجا للطيبة والأدب الجم والشجاعة والإقدام ... كان واحدا من الفلاحين ، كانوا تواقين لكل حرف يقوله "... هكذا تردد على مسامعي خلال لقاءاتنا المتباعدة ، واعرف ذاك كتذكرة غير مباشرة لي لمواصلة العمل والصمود مهما كلف الأمر خلال سنوات العمل السري داخل الوطن الذي امتد إلى ما يزيد من 22عاما ... كانت كاتمة لأسرار سلام عادل ... ناقلة بريده الحزبي وأسلحة وأحبار طباعة ومضيفة لا تكل لرفاق أبو علي وزوجها الشهيد. وفي البو شناوة بدأت الخطوات الأولى لإصدار (صوت الفرات) تلك الصحيفة التي لعبت دورا كبيراً في تحشيد وتنظيم فلاحي الفرات الأوسط وإعدادهم للحدث الأهم بعد سنوات وهو ثورة تموز المجيدة عام 1958 ... والى فترات متأخرة ، وتحديدا إلى العام 1971 ... كانت بستان الشهيد عباس خضير تحوي مطابع قديمة صغيرة للحزب، لم تجد الوالدة الراحلة بدا من تسليمها إلى الحزب بعد استشهاد العم الباسل كاظم الجاسم في أحواض تيزاب قصر النهاية شتاء 1971، وتلك قصة فاجعة أخرى .... لقد سلمت الوديعة الأغلى لديها (مطبعة صغيرة ، هي جزء من ارث زوجها الشهيد وحزبه المقدام) إلى شهيد آخر : طالب باقر (أبو رياض) ، ذاك الفلاح الفقير الذي خلق أسطورته الكفاحية كسابقيه وليتحول أيضا إلى مهماز للكفاح والنضال وليتبوأ بجدارة مكانه ، كعضو لمنطقة الفرات الأوسط ، بعد الهجوم الشرس عام 1979 قبل أن تطالهُ يد الغدر ليسقط شهيدا في العام 1982... "
لهؤلاء الأبطال ولكل شهداء شعبنا المجد والخلود.