بمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد حزب الطبقة العاملة والفلاحين لا يسعنا إلا أن نستذكر شهداءنا وشهداء الحركة الوطنية الذين كتبوا بدمائهم مجد العراق. ونستذكر قوافل طويلة من الشباب الشيوعي الذين نذروا حياتهم وأرخصوا دماءهم الغالية ووهبوا ارواحهم قربانآ للقضية الانسانية الكبرى، وارتبطت ضمائرهم الحية بمصير الوطن والشعب من اجل وطن يسوده التآخي والمحبة والحرية والديمقراطية, واحترام الانسان كانسان في اختيار حياة حرة كريمة تتمتع بالعدالة الاجتماعية والاشتراكية.
والشهيد (معطي بلور) شخصية فريدة وله تاريخ عريق مشرف حافل بالنضال والبطولة والتضحية من اجل تحقيق العدالة الانسانية التي اختارها طوعآ. فكان نبعاً لا ينضب من الحيوية وربيعاً دائم الاخضرار وشلالاً يتدفق ماؤه عذبآ وفيضاً من الاخلاق والسخاء والكرم وتجسيد المعاني الانسانية بلا حدود.
ولد في الهندية (طويريج) محلة ( شيخ حمزة عام 1934) نشأ وترعرع ودرس فيها وتعرف على الافكار الماركسية مذ كان يافعآ لاحتكاكه المتواصل مع معاناة العمال والكسبة في المدينة والحالة الاجتماعية المتردية والاحتلال الاجنبي، حيث كان نهر الفرات صالحآ للملاحة النهرية بين الالوية (المحافظات) وحركة المواطير وتجارة التمور والحبوب وغيرها من المحاصيل الزراعية رائجة في ذلك الزمان، وتحتاج الى أيدي عاملة في عملية التحميل والتسويق والتفريغ فأنتمى الى صفوف الشيوعيين مبكرآ,حيث لم يتجاوز عمره السادسة عشر ربيعآ, رغم أنه ينحدر من ?ائلة معروفة باليسر والجاه الاجتماعي والاقتصادي , فوالده وأعمامه من كبار تجار تسويق التمور والحبوب بأنواعها على مستوى العراق وكان الشهيد منحازآ انحيازآ تامآ الى أولئك المعدمين من الطبقة الفقيرة , ولم يكن بباله ولو للحظة واحدة ماذا سيكون مصيره في قادم الايام، فهموم شعبه ومعاناتهم كانت نصب عينيه. كما كان رفيقآ مشحونآ بالشجاعة والبسالة والقلق الشديد على مستقبل وطنه و شعبه.
كان يتصدر التظاهرات التي ينظمها الشباب الشيوعي من ابناء الهندية ضد الاحتلال البريطاني والمعاهدات والاحلاف والتضامن مع الشعب المصري في ثورته وكذلك العدوان الثلاثي على مصر قبل قيام ثورة 14 تموز المباركة كان اول المناصرين لها مع رفاقه الشيوعيين الشباب والحفاظ على منجزاتها التي قدمتها الثورة وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم في سنتها الاولى وبعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم (30 ,1958 ) الذي هز اركان الاقطاع والرجعية وأعداء الثورة فما كان يروق لهم ذلك فأعدوا عدتهم الدنيئة للاجهاز على هذا المنجز وبمختلف الا?اليب وبمساعدة اعداء الثورة من بقايا العهد الملكي وفلول الغربان السوداء وخفافيش الليل. وبعد مرور سنة على قيام الثورة والاحتفال الكبير بذكراها الاولى التي عمت أفراحها أرجاء العراق عامة كان الشهيد مسؤولاً في مقر الحزب ,وبعد مرور أربعة أيام على الاحتفال .وفي صباح يوم (18 /7/ 1959) دبر الظلاميون هجومآ غادرآ مباعتآ استهدف مقر الحزب والنيل منه وقاموا بإحراقه، فما كان من الشهيد ورفاقه الا أن يدافعوا عنه ببسالة وصمود الابطال وبعدها تدخلت الشرطة بعد أن شبت النيران واحرق المقر ومحتوياته .ثم ألقت الشرطة القبض على معظ? الرفاق وهم كل من (غني وفخري الظاهر وحميد وشهيد سيد هاشم وأبراهيم محسن وطه داود ومهدي سيد جودي وفاضل شنون) وكثير من الرفاق وأستشهد الرفيق (محمد حسين موسى) بعد أن وقف هو ورفاقه وقفة الابطال يشهد لهم التأريخ في دفاعهم عن هويتهم الانسانية الاصيلة ,حيث تم نقلهم الى مركز شرطة الهندية .وهناك حدثت مشادة كلامية حادة بين الرفاق وبعض المأجورين على أثرها تمكن احد العملاء الذي ينتمي الى فئة ضالة تضمر الحقد والكراهية الى الشيوعيين الاحرار وقتله غدرآ من الخلف بعد أن غرز حربة البندقية (السنكي) بكل قوته ومزق أحشاءه من جه? الخاصرة .وظل ينزف دون أن يلتفت أليه أحد أو يسعفه الى ان استشهد واقفأ كنخيل العراق عندما يموت وقوفآ، ثم نقل الرفاق الى سجن الحلة ثم الى سجن الكوت والى سجن بغداد المركزي حيث شكل هناك المجلس العرفي العسكري الاول بتاريخ (5/4/1960) برئاسة العقيد شمس الدين عبدالله وعضوية كل من العقيد (محمد نافع والعقيد عبد الرزاق الجدة ) وأصدروا أحكامهم (الاعدام شنقآ حتى الموت على كل رفاقنا وفق الفقرة (3) من المادة(214/253/255) من /ق/ع/ب) ثم بدل الحكم الى أشغال شاقة مؤبدة وبعد مرور سنتين أطلق سراحهم .
وفي هذه الايام ونحن نعيش أفراح شعبنا في الذكرى الثمانين لميلاد حزب الشعب بكل أطيافه متزامنة مع الانتخابات البرلمانية علينا نحن الغيارى على الشعب والوطن أن نشد من أزرنا وأن نتوحد من أجل التغيير وأن يشمر الشباب الواعي عن سواعدهم ويبذلون قصارى جهودهم الاستثنائية المخلصة وخبرتهم المتراكمة, التي من المفروض أن يضعوها في مكانها الصحيح .وأنتخاب أصحاب الايادي البيضاء والنزيهة الذين عاهدو أنفسهم والشعب لخدمته وتوفير العيش الرغيد لهم دون أستثناء بعيدآ عن المحاصصة الطائفية والعرقية وانتشال البلاد من دوامة العنف والاس?عصاء الطائفي والعمليات الارهابية التي باتت تهدد أرواح الابرياء كل يوم .وأن القوى الخيرة المحبة للسلام والامان والتآخي هي الاجدر لقيادة البلد نحو شاطيء الامان والرفاه وأن الذهاب الى صناديق الاقتراع هي مسؤولية وطنية واجبة وحق لكل مواطن غيور يروم التغيير.وبهذا الاصرار والتصرف الجاد والسلوك الحقيقي, قد وفينآ جزءآ بسيطآ من تعهدنا واكرامآ لإولئك الشامخين وعرفانآ لما قدموه من تضحيات جسام ونكران ذات وقدموا أرواحهم فداء للشعب والتي سالت دماؤهم الطاهرة على أرض الوطن ورويت تربته بذلك قد وضعنا خطوة أولى بالاتجاه الصح?ح نحو المستقبل الزاهر لكل العراقيين دون تمييز.
وأخيرآ وليس آخرآ سيظل شهداء حزبنا الشيوعي العراقي شعلة وهاجة عبر السنين, تنير درب السالكين, وقناديل تنير درب النضال ضد الطغاة والجلادين الحاقدين.