اعمدة طريق الشعب

قرض صندوق النقد الدولي بين موقفين / ابراهيم المشهداني

يواجه العراق حاليا ازمة مالية شديدة لها تبعات اجتماعية خطيرة تقف الدولة امامها عاجزة عن ايجاد الحلول الفاعلة على الرغم من الاجراءات العديدة التي اتخذتها لمعالجتها من خلال تقليص العجز في الميزانية غير ان هذه المعالجات جاءت متأخرة ولا يزال امامها الكثير مما يتطلب اتخاذه وتفعيله .
ان حراجة الموقف المالي للحكومة العراقية ، ولأجل مواجهة خطر الافلاس المبالغ فيه الذي تحذر منه العديد من التحليلات استنادا الى فشل الادارة الاقتصادية والهدر الكبير في الموارد المالية طيلة السنوات الماضية ، دفع بالحكومة إلى البحث عن القروض من المؤسسات الدولية وعلى هذا الاساس تجري مفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي في الاردن للحصول على قرض بمبلغ 13 مليار دولار بفائدة 1,5في المئة وهذا يعني ان مقدار الفائدة السنوية سيكون 195 مليون دولار وكلما طالت فترة التسديد فان التكاليف الائتمانية ستكون باهظة على الرغم من قلة الفائدة .
ان المتفقين مع القرض كما هو الحال بالنسبة للمعترضين من اقتصاديين وبرلمانيين ومتابعين للشأن الاقتصادي ، يدركون تماما شروط صندوق النقد الدولي وشقيقه البنك الدولي التي تتمثل بإلزام الدول المقترضة ، والعراق ليس بمعزل عنها بتقليص او ايقاف الدعم الحكومي وفي حالتنا وجوب مراجعة البطاقة التموينية وتخفيض دعم اسعار الطاقة وتقليص الانفاق على الاجور والرواتب وتقليص الخدمات ، ، بالإضافة الى شرط مراقبة انفاق القرض كي لا يقع في فخاخ الفاسدين لما تملكه المؤسسات المالية الدولية من معلومات عن منظومة الفساد في العراق وإمكاناتها في الالتفاف على الموارد المالية ايا كان مصدرها كما تفعل الان في التأثير على اليات توزيع قرض البنك المركزي البالغ ستة تريليون دينار وتحويلها الى البنوك الاهلية التي كانت ولا تزال جسرا للوصول الى بورصة البنك المركزي من خلال مشاريع وهمية وعمليات تزوير طالت المليارات .
وعندما نتوقف بالنقد لهذه القروض ،ليس لأنها مخلة بالسيادة الوطنية فحسب من خلال الضغط بتنفيذ شروط اقتصادية قاسية وهذا ينطبق على جميع دول العالم في الأحوال الاعتيادية فكيف بدولة وجدت نفسها في ازمة مالية تضيق الانفاس وفي دوامة من المشاكل خلقتها سياسات فاشلة وإدارة فاسدة منبثقة عن محاصصة مقيتة ، بل أن المآخذ الأساسية للكثير من هذه القروض تتركز قبل كل شيء في الأبعاد الاجتماعية الخطيرة التي تسببها شروط هذه المؤسسات التي ثبت بالتجربة أنها وراء إفقار المجتمع وخلق تمايزات طبقية بين قوى اجتماعية ماسكة بعتلات الاقتصاد وقوى أخرى تبحث في القمامة للبحث عن لقمة عيشها وانهيارا واضحا للطبقة الوسطى ، وخلاصة القول ان هذا القرض لم يمنح لوجه الله .
ولا تفوتنا الإشارة الى ان هذا القرض تتركز وظيفته في سد العجز في الموازنة العامة التي بنيت على فلسفة البنود وليس فلسفة البرامج خضعت لمواقف سياسية وهذا ما ادى الى تعظيم الانفاق الحكومي في اوجه لا مكان لها في عمليات التنمية الاقتصادية وخاصة الرواتب العالية للرئاسات الثلاثة ، وتضخم غير مسبوق في الجهاز الاداري للدولة . من هنا نرى ان الحكومة مطالبة كإجراءات مستقبلية ، بالتحسب لمخاطر الاقتراض من المؤسسات الدولية وان تذهب إلى الاقتراض المحلي في سد العجز ، والعمل الجاد من اجل البحث عن مصادر مالية اكثر استقرارا من خلال تنشيط القطاعات السلعية وزيادة مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي وتنشيط قطاع السياحة بإدارة كفوءة ونزيهة ، والضرائب التصاعدية ومراقبة اوعيتها ومكافحة التهرب الضريبي وإصلاح جذري للجهاز الضريبي ، الى جانب اجراء اصلاحات سياسية عميقة .