اعمدة طريق الشعب

لمصلحة من الامتناع عن شراء الأسمدة الكيماوية المنتجة وطنيا؟ / إبراهيم المشهداني

وقفة بسيطة عند الاقتصاد العراقي والسياسة الاقتصادية الراهنة تمكن المتابع من الخروج بخلاصة مفادها إن الاعتماد على واردات النفط وإهمال القطاعات الإنتاجية الأخرى خطيئة كبرى يتعين تعديل مساراتها بوجهة تفعيل القطاعات الإنتاجية السلعية الوطنية والاعتماد على مصادرها في تمويل الخطط التنموية وتحقيق الاكتفاء الذاتي .
ولكن ما يجري في الواقع ، ينبئ بوجود قوى تعمل بجدية للسير على خطى الحاكم المدني الأمريكي بول بريم في تعميق آثار مذبحة القطاع الحكومي انطلاقا من الليبرالية الجديدة ووصفاتها المعولمة . وفي أروقة الحكومة هناك بعض الاقتصاديين الذي يعتبرون نظرية التكييف الهيكلي هي الحل لإنقاذ الاقتصاد من الاختلال ومنهم من يذهب إلى إبعاد العنصر المجتمعي من السياسة الاقتصادية التي تقوم من وجهة نظرهم على اقتصاد السوق الحر بمعناه المجرد .
ويبدو انه انطلاقا من هذه الأفكار تتوقف وزارة الزراعة عن شراء إنتاج الشركة العامة لصناعة الأسمدة الجنوبية في البصرة وليذهب العاملون الستة آلاف إلى الجحيم بالرغم من أهمية هذه الشركة وتزايد إنتاجها ليصل في عام 2016 إلى ألفي طن يوميا حسب تصريح وزير الصناعة المستقيل محمد صاحب الدراجي وحاجة الزراعة إلى الأسمدة الكيماوية من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي ورفع معدلات النمو في القطاع الزراعي وإيقاف استيراد الأسمدة من الخارج حفاظا على العملة الأجنبية. وحقيقة الأمر ان هناك كميات من الأسمدة في السوق تم استيرادها من الخارج ويريدون تصريفها على الفلاحين ، الذين لم يستلموا مستحقاتهم من الدولة منذ عام 2014 ، بأسعار مرتفعة ولهذا فقد الفلاحون القدرة على مواصلة الإنتاج ويعتبر التوقف عن شراء منتج هذه الشركة تحد فض للتشريعات النافذة ومنها القانون رقم 11 لسنة 2010 المتعلق بحماية المنتج الوطني وقانون منع الاحتكار رقم 4 لسنة 2009 النافذ مما يؤدي بالنتيجة إلى احتكار هذه المادة بيد حفنة من التجار من اجل مصالح خاصة لا تنفع إلا أصحابها والداعمين السياسيين الفاسدين .
ومن الجدير بالذكر أن بدايات إنشاء معامل لإنتاج الأسمدة كانت في عام 1969 في المنطقة الجنوبية وفي عام 1979 تم إنشاء معمل لإنتاج اليوريا في قضاء بيجي فيما تم إنشاء أول معمل لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية المركبة في القائم وصل أنتاجه في أوائل الثمانينات إلى مليون ونصف طن سنويا لكن هذه المصانع تعرضت إلى التدمير نتيجة للحروب والإهمال الحكومي بعد عام 2003. إن الأهمية الاقتصادية لهذه المصانع التي تتوفر لها المواد الأولية محليا تقلل من تكاليف الإنتاج ولا سيما الحاجة قائمة إلى تنمية الزراعة الوطنية التي تشكل الأسمدة الكيماوية أحد مرتكزاتها ، وارتفاع أسعار المستورد منها في ظل ضائقة مالية شديدة يمر بها البلد كل ذلك يتطلب إعادة النظر في هذه الصناعة الحيوية ووضع استرتيجية خاصة تأخذ في الاعتبار توسيع طاقاتها الإنتاجية القائمة من خلال :
• العمل على دعم الشركة العامة لإنتاج الأسمدة الكيماوية الجنوبية وإعادة دورة إنتاجها وحماية شغيلتها بدلا من إلقائهم على قارعة الطريق ليزداد بهم معدل البطالة والكف عن ذبح الصناعة الوطنية .
• تأهيل معمل اليوريا في منطقة أبي الخصيب وإعادته الى الخدمة سيما وان طاقته الإنتاجية تصل إلى 1300 طن يوميا، وأيضا إعادة تأهيل معمل اليوريا في منطقة خور الزبير الذي تصل طاقته الإنتاجية الى 1600 طن يوميا .
• الاستمرار في استيراد الأسمدة الكيماوية عند الضرورة وبالكميات التي لا تؤثر على الإنتاج المحلي لسد الطلب على أساس المفاضلة في الأسعار مع دول المنشأ ، وتنفيذ التوجيهات الحكومية بشان شراء المنتج الوطني .
• من اجل سد حاجة القطاع الزراعي من الأسمدة الكيماوية لابد من توسيع طاقات الإنتاج في هذه المعامل بإضافة خطوط إنتاج جديدة واقامة مشاريع كبرى عن طريق الاستثمار.