اعمدة طريق الشعب

أخروا الحسابات الختامية ونهبوا المال العام! / إبراهيم المشهداني

لم يعد خافيا على احد ان الاقتصاد يعاني من ظاهرة الانكماش والاختلال في التوازن بين قطاعاته المختلفة بسبب التخبط في السياسة الاقتصادية خلال السنوات الثلاثة عشرة المنصرمة وازداد تدهورا في السنوات الثلاث الماضية التي انخفضت فيها أسعار النفط الذي تعتمد عليه الموازنات السنوية بأكثر من 95 بالمائة شكل احراجاً للحكومة بسبب العجز الكبير في موازنتي السنتين الأخيرتين وهذا دفع الحكومة الى طلب النجدة من صندوق النقد الدولي بهدف الاقتراض وعلى جدول اعمالها الاقتراض من البنك الدولي ودول أخرى بما فيها دول خليجية .
إن مبعث الأزمة ليس عوامل طبيعية بالتأكيد وإنما صناعة عراقية بامتياز تتجلى في عوامل عديدة تقف في مقدمتها السياسات الاقتصادية التي تتخبط بين استراتيجية على الورق تتبعها أخرى لم تسفر عن شيء ، وسياسة مالية اعتمدت على الموارد النفطية وأهملت الموارد الداخلية التي أكد عليها قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 وإدارة اقتصادية مسحورة بنظريات الخصخصة والتكيف الهيكلي قادت إلى إهمال القطاع الحكومي ولم تحقق شيئا في تطوير القطاع الخاص ولم تطبق شيئا من الشراكة الاقتصادية التي نص عليها البرنامج الحكومي وفوق كل هذه العوامل الفساد الذي تفرد به العراق .
والفساد الذي نتحدث عنه هو من صنع من صار يتحدث عنه دون خجل هذه الايام، انهم بكل تأكيد الفاسدون أنفسهم. ففي الأيام الأخيرة انبعثت من داخل البرلمان ضجة كبيرة تتعلق بما أفرزته دراسة الحسابات الختامية للأعوام 2008—2011 من مجهولية صرف 124 تريليون دينار وقبل ذلك بينت المناقشات البرلمانية للحسابات الختامية لعام 2007 مجهولية جهة صرف 75 تريليون دينار وكم سيكون المبلغ المسروق خلال السنوات 2012—2016 ، كل ذلك النهب المبرمج يحصل مع وجود المؤسسات الرقابية العديدة المتمثلة بديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين وهيئة النزاهة التي يعمل في دواوينها وفروعها الآلاف من الموظفين ورغم وجود هذه المؤسسات يحصل هذا النهب المبرمج مما يفضي إلى خلاصة مهمة مؤداها ان عديد هذه المؤسسات وازدواجيتها في إعمال متشابهة قد أدى إلى مشكلة مركبة قوامها التراخي والإهمال وحتى التغاضي عن ظواهر الفساد التي تنبعث رائحته من كل دائرة عراقية في بغداد
وفي كافة المحافظات ، فلماذا كان الفساد محدودا جدا في السنين الماضية ويتركز في دائرة ضيقة تشمل العائلة الحاكمة ؟ حيث كان ديوان الرقابة المالية هو الدائرة الرقابية الوحيدة التي تقدم الحسابات الختامية سنويا . كل ذلك يحصل في هذه المرحلة بسبب التجاهل المقصود للنصوص الدستورية والقواعد القانونية ، وتجلياته في التدهور الاقتصادي الاجتماعي الذي يفتك بالمجتمع العراقي بمختلف طبقاته وشرائحه الاجتماعية . ما يتعين على البرلمان العراقي أداء واجباته الدستورية التي نصت عليها المواد 61/ثانيا والمادة 62/اولا بوصفه الجهة الرقابية على الجهاز التنفيذي وعدم التصويت على مشاريع قوانين الموازنات السنوية ما لم تكن مقرونة بالحسابات الختامية للسنة السابقة من كل موازنة ، وان يعيد الجهاز القضائي النظر في اليات تنفيذ التشريعات النافذة خاصة تلك التي تتعلق بإطلاق سراح سراق المال العام بكفالة وإعطاء فرصة للفاسدين من الالتفاف على القوانين بطريقة الرشا والتوسط وغيرها من الوسائل وإعادة النظر في تعدد الجهات الرقابية التي تساهم بشكل او باخر في إضعاف درجة اليقظة الرقابية كل ذلك من خلال حركة إصلاحية اجتماعية تلقي بالفاسدين في المكان الذي يستحقونه!