اعمدة طريق الشعب

مخاطر الدفع بالآجل في انجاز المشاريع / إبراهيم المشهداني

كان العراقيون في اشد حالات التفاؤل بعد التغيير السياسي في 2003 ، بأن تنهض الحكومات العراقية المتعاقبة بعملية التنمية الاقتصادية لإعادة إعمار البنى التحتية التي تم تدميرها خلال الحروب العبثية التي أشعلها النظام السابق، عبر إقامة مشاريع تنموية تمول من الأموال التي وفرتها الدول المانحة والأموال العراقية المجمدة والموارد الوطنية المتاحة داخليا او التي ستتاح لتحريك الاقتصاد العراقي ومعالجة ظاهرة البطالة وتوفير الخدمات الأساسية .
غير ان حساب الحقل غير حساب البيدر ، إذ يبدو ان صناع السياسة العامة وخاصة السياسة الاقتصادية كان لهم شأن آخر وذلك ما أثبتته الوقائع والأفعال الميدانية المريرة. فهذه الوقائع بينت بما لا يقبل الشك ان حجم الأموال التي دخلت إلى خزينة الدولة بلغت 928 مليار دولار خلال الفترة بين عام 2003 و2016 عن طريق الموارد النفطية التي بلغت خلال نفس الفترة 684مليار دولار وعوائد أخرى محلية (ضرائب ورسوم وغيرها) بحدود 102 مليار دولار ومساعدات (منح) وقروض داخلية وخارجية بحدود 142 مليار دولار هذا باستثناء رصيد صندوق تنمية العراق. كل هذه المبالغ ذهبت ودون وجل أو يقظة ضمير إلى خزائن الفاسدين وهدر الإدارات الفاشلة للأموال العامة ، يقابل هذه الأرقام الصادمة توقف ما يزيد عن أكثر من ستة آلاف مشروع بعضها مدون على الورق فقط .
الحكومة العراقية تبحث حاليا عن شركات أجنبية وعراقية لانجاز هذه المشاريع اذ تطرح حاليا الية الدفع بالآجل لتمويل 4500 مشروع متوقف ويجري التركيز على مشاريع الطاقة حسب تصريح المستشار المالي لرئيس الوزراء باشتراط عدم تجاوز تكاليف المشروع عن ملياري دولار وبفائدة 6 بالمائة وان يكون الدفع نصف سنوي. هذا التصور جرى تأطيره قانونيا من خلال إدراجه ضمن قانون الموازنة السنوية لعام 2017 . كل ذلك ينبغي ان لا يمر دون البحث الجاد والمسؤول في الأسباب التي أدت إلى تعطيل هذه المشاريع وتعريض الحكومة للوقوع في مطبات التمويل باليات تكلف الدولة مبالغ طائلة ، فحسب تصريحات وزارة التخطيط ان ما انفق على هذه المشاريع بلغ مائة مليار دولار وان حجم المبالغ المطلوب لإكمالها مائة مليار دولار أخرى فإذا ما تم الأخذ بالحلول الحكومية بالية الدفع بالآجل، وهي شكل آخر من أشكال الاقتراض.
وعلى فرض عدم وجود طريق آخر للتمويل فهذا يعني ان مجموع الديون التي ستترتب على العراق إضافة إلى 123 مليار دولار مجموع الديون الداخلية والخارجية حاليا ، سيصبح 223 مليار دولار عدا تكاليف خدمتها مما يضع العراق وشعبه إمام محنة اقتصادية واجتماعية يتحملها هذا الجيل وعشرات الأجيال اللاحقة وقد يصل العراق في حال استمرار الأزمة المالية وغياب المصادر الوطنية للتمويل وتوطن الفساد والهروب إلى الإمام ، إلى درجة الإفلاس وما يترتب عليه بموجب القوانين الدولية. لكل ذلك ومن اجل معالجة تنفيذ المشاريع المتوقفة لابد من الحكمة والتبصر في اتخاذ الإجراءات التي تخفف من حجم التكاليف ونرى لأجل ذلك :
• إعادة دراسة وجرد هذه المشاريع حسب أهميتها للاقتصاد الوطني والتركيز على المشاريع المنتجة وخاصة الطاقة النفط والغاز والكهرباء والبتروكيمياويات وما تستدعيه الحاجة الاجتماعية الملحة لها وان يكون الدفع بالنفط الخام وبالأسعار السائدة .
• الاستفادة من قرض البنك المركزي البالغ 6 تريليونات دينار عراقي وان تقوم المصارف التنموية كالصناعي والزراعي والتجاري وصندوق الإسكان الى جانب المصارف الأهلية، بدورها في عملية الاستثمار في هذه المشاريع.
• إعادة النظر بإدارة هذه المشاريع بانتقاء العناصر الكفوءة والنزيهة وإبعاد العناصر التي تسببت بفشل تلك المشاريع وجرد المشاريع الوهمية ومحاسبة المتسببين بسرقة أموالها ومحاسبتهم قضائيا واستعادة الأموال المنهوبة .
• التنسيق مع المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية للعمل على إعادة الأموال المنهوبة والاستفادة من القوانين الدولية في هذا المجال ودعم القضاء العراقي في أداء مهماته في الاقتصاص من الفاسدين للوصول إلى الأموال المهربة .