اعمدة طريق الشعب

نشوة الاحتياطيات النفطية! / إبراهيم المشهداني

نعرف ويعرف الاقتصاديون والمهتمون باقتصاديات النفط في العراق وسواه من الدول النفطية التي تعتمد اقتصادياتها اعتمادا كبيرا على الريوع النفطية التي تعتبر المصدر الوحيد او المصدر الأساسي لتمويل الموازنات السنوية ، إن هذا المصدر ليس ثابتا او مستقرا وفي الكثير من الأحيان يتحول إلى مصدر قلق في الحياة السياسية والاقتصادية تتصاعد إلى اضطرابات يصعب تهدئتها ، ويمكن لها ان تهدد او تغير الأنظمة السياسية القائمة.
ولهذا لابد من الحذر من الوقوع في فخ الانتشاء بالأرقام الكبيرة في سقوف الكميات المكتشفة او التقديرات المفرطة في الاحتياطات النفطية لاسيما ان البلدان النفطية وبينها العراق تعاني أزمة مالية خانقة ناتجة عن هبوط كبير في مستويات الأسعار كما حدث في الصدمة النفطية الرابعة في منتصف عام 2014 نتيجة للفائض الكبير في المخزونات النفطية العالمية وضعف الطلب الذي يتكرر من وقت إلى آخر نتيجة لانخفاض معدلات النمو في اقتصاديات الدول الصناعية الأكثر استهلاكا للبترول مثل أمريكا وأوربا والصين واليابان والهند ولهذا فان الاحتياطيات العملاقة في كميات النفوط المكتشفة لا تعنى شيئا في المديات القصيرة او المتوسطة وخاصة عندما تتخذ المنظومات النفطية الأساسية القرارات المتعلقة بتخفيض الإنتاج بهدف رفع سقوف أسعار البيع .
نقول هذا في الوقت الذي تبشرنا وزارة النفط باكتشاف المزيد من المخزونات النفطية الكبيرة في الآونة الأخيرة مما حفزت وزارة النفط لتوسيع الرقع الاستكشافية لتمتد إلى المياه الإقليمية . هذه التقديرات تشير الى ان رصيد العراق من المخزون الثابت يصل إلى 153 مليار برميل وهذا الرقم قابل للزيادة ليصل إلى 170 مليار برميل ، وكانت التقديرات المنشورة في عام 2003 تشير إلى ان الاحتياطي النفطي يبلغ 112 مليار برميل ، وإذا كانت هذه الأرقام قريبة من الدقة فان العراق سيكون منافسا للسعودية وروسيا ان لم يحتل مركز الصدارة .والسؤال التقليدي الذي يطرح غالبا في المراكز البحثية العالمية والدراسات الأكاديمية هل ان الوفرة النفطية في بلد ما قادرة بالضرورة على بناء اقتصاد متين ؟
لن نذهب بعيدا الى الدول الأخرى المنتجة للنفط وسنقتصر على السياسة النفطية في العراق وكيف تمت إدارة الأموال المتأتية من تصدير النفط خلال الفترة من عام 2003 حتى 2016 فان الأرقام المؤكدة تشير إلى انها بلغت 684 مليار دولار ومع ذلك كانت مخرجات الاقتصاد أكثر من ستة آلاف مشروع معطل التف عليها الفاسدون في عملية نهب منظم لم يشهدها تاريخ العراق وعشرات المليارات تمثل استحقاقات الشركات النفطية المتعاقدة وفق عقود التراخيص رغم ايجابياتها ، مع مديونية داخلية وخارجية تصل إلى 123 مليار دولار وعجز في الموازنات السنوية للفترة ذاتها بلغت 202 مليار دولار والحاجة إلى آلاف المدارس ومئات المستشفيات ومليوني وحدة سكنية ومازالت ملفات فضائح لوك أويل واونا اويل وروائحها العفنة تزكم الأنوف . من هنا فان النجاح في السياسة النفطية لا يمكن ان يتحقق ما لم يتم التوصل الى مقاربة حقيقية تعبر تعبيرا صادقا عن اندماج مخرجات النفط بالاقتصاد العراقي عبر خطوات ملموسة لطالما جرى التأكيد عليها وتتمثل بـ:
• التعجيل في إصدار قانون النفط والغاز الذي مر على تقديم مسودته أكثر من ثماني سنوات وليست مقنعة تلك الأسباب المصرح بها والتي تحول دون تشريعه لتعارضه مع مصالح القوى المتنفذة .
• التعجيل في إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية لتمارس دورها في عمليات التنقيب واستخراج النفط خاصة وان لها تاريخا شامخا في الصناعة النفطية
• حسم الخلافات مع الإقليم بشان استخراج النفط وحصر تصديره مركزيا عملا بنص الدستور بان النفط هو ملك للشعب العراقي .
• تنظيف وزارة النفط بكافة مؤسساتها من الفاسدين وإحلال الكفاءات والخبرات الوطنية في الصناعة النفطية في ادارة اقتصاد النفط وتوجيه القسم الأكبر من الموارد النفطية نحو القطاعات الإنتاجية من اجل إيجاد مصادر بديلة للتمويل واستعدادات مسبقة لمواجهة الصدمات النفطية المتكررة ، بعقلانية بعيدا عن نشوة الأرقام .