اعمدة طريق الشعب

استراتيجية الحد من الفقر.. مزيد من الإفقار / إبراهيم المشهداني

الفقر كظاهرة اقتصادية اجتماعية موجودة في كل دول العالم ولكن بنسب متفاوتة تبعا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في هذه الدول وأفضل مؤشرات الفقر هي في الدول التي تشهد اقتصادات متطورة ونظما ديمقراطية ولكن اكبر نسب الفقر تظهر في الدول الغنية في قدراتها الاقتصادية المعطلة وخاصة الدول النفطية.
وظاهرة الفقر في العراق لازمت المجتمع منذ مئات السنين إلا في فترات قصيرة لكنها عادت نتيجة الحروب وتهافت السياسات الاقتصادية وانفلات الأوضاع الأمنية. وإذ نركز على فترة ما بعد 2003 فلان ظاهرة الفقر في بلادنا كانت صادمة بالرغم من وجود استراتيجية وطنية للحد من الفقر للاعوام من 2010- 2014 وضعتها وزارة التخطيط بتنسيق مباشر مع الوزارات التنموية الرئيسية المركزية والبرلمان وحكومة إقليم كردستان ، تجسيدا لبرنامج الحكومة وكان إطار عملها مع الدول والمنظمات المانحة لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية وتحقيق أهداف التنمية الألفية، واستهدفت بالتحديد تقليص نسبة الفقر من 23بالمائة إلى 16 بالمائة وبدلا من ان تؤدي إلى تخفيض النسبة فقد ازدادت إلى 30 بالمائة بالرغم من محاولات تلطيفها ، وهذه النتائج البائسة دفعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء للإعلان عن استراتيجية جديدة قبل منتصف العام الجاري تستهدف بشكل خاص معالجة السكن العشوائي وإصلاح البطاقة التموينية . كيف سيتحقق ذلك في وقت تسعى الحكومة الى خصخصة البطاقة التموينية في خطوة ظاهرها إصلاح وباطنها تراجع عن تطوير محتوياتها التي تردت بشكل صارخ في الأعوام الأخيرة وكان عليها قبل الإعلان ، تقييم مخرجات الاستراتيجية السابقة والكشف عن أسباب إخفاقها ونتائجها البائسة التي تشمل أكثر من 11 مليون نسمة بين رجال ونساء وأطفال مع الفجوة الكبيرة في درجة الفقر بين الرجال والنساء .
ولئن كانت منطلقات الخطة الالتزام الحكومي بالتنفيذ والتوافق مع الجهود الوطنية والتكامل مع خطة التنمية الوطنية الخمسية للسنوات 2010—2014 والموازنات السنوية وكفاءة الأمان الاجتماعي والبطاقة التموينية وإعانات شبكة الحماية الاجتماعية ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق فلا الحكومة التزمت بالتنفيذ كما كان مرسوما ولم تحقق الخطة التنموية الخمسية أهدافها ولا البطاقة وفرت الغذاء ومستلزماته للفقراء ولا الإنفاق الحكومي عبر الموازنات السنوية روعيت فيه مصالح الفقراء بل كانت موزعة بين الفاسدين والجهاز البيروقراطي في مراكز الدولة العليا مما نتج عن ذلك زيادة في حجم البطالة وترد في الخدمات الصحية وفي مستوى التعليم وانتشارا للسكن العشوائي وحماية اجتماعية متردية وسوء في تمكين الفقراء من تطوير مهاراتهم المهنية وإدراك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبدلا من ذلك ممارسة القمع لمنعهم من التعبير عن هذه الحقوق . لكل هذه الأسباب يتعين على الدولة قبل الإعلان عن إستراتيجيتها الجديدة أن تضع منظومة من الأهداف الواضحة وان تتخذ التدابير والآليات لتحقيقها ومنها :
• تنشيط القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الحكومية والخاصة وتدوير عجلتها من اجل تخفيض نسبة البطالة وإيجاد مصادر تمويل وطنية وتعميق القاعدة الإنتاجية وتنشيط الاستثمار وتقليل كلف الإنتاج وتحقيق رأسمال تراكمي .
• رسم خطط منهجية لرفع مستوى التعليم في كافة مراحله عن طريق تغيير المناهج بما تتناسب مع خطط التنمية وزيادة عدد المدارس ومعالجة ظواهر التسرب في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وتحسين الرعاية الصحية عن طريق تحسين الخدمات في المستشفيات والعيادات الطبية وتقلص أجور التطبيب الخاص واتخاذ الإجراءات الوقائية وتفعيل دور العيادات الطبية المتنقلة في الأرياف .
• مواجهة مظاهر التلوث البيئي التي تزداد مخاطره يوما بعد آخر والتي تجد تعبيرها في مختلف الإمراض المنتشرة وخاصة الالتهاب الرئوي والفشل الكلوي والسرطانات وتوفير الأدوية والعلاجات الكافية والاستعانة بالجهد الدولي في هذا المجال.
• تحسين مياه الشرب ومعالجة التكسر في أنابيب المياه ومعالجة الصرف الصحي واستغلاها في مشاريع نافعة باستخدام التكنولوجيا وإيقاف تسربها إلى الأنهر الرئيسية .
كل ذلك لن يتحقق من دون شن حرب على الفساد والفاسدين وهدر المال العام وتشديد الرقابة ومتابعة التشريعات القانونية ومنع انتهاكها .