اعمدة طريق الشعب

هل الخصخصة هي الحل؟ / إبراهيم المشهداني

تصاعد خطاب الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية بعد عام 2003 بوتيرة غير مسبوقة في إدارات الدولة العليا ، في مناسبة أو بدونها وقد ازداد هذا الخطاب حدة بعد انخفاض أسعار النفط في منتصف عام 2014 واحتلال داعش أكثر من ثلث مساحة العراق وتصاعد تكاليف الحرب نتيجة لذلك ويتخذ منظرو الخصخصة تلك العوامل حجة لتبرير هذا الخطاب والترويج له .
وعلى الرغم من قرار الحاكم الإداري الأمريكي بول بريمر بوضع 192 شركة من شركات وزارة الصناعة على قائمة الخصخصة وإعادة الهيكلة إلا إن ظروف العراق وتشريعاته وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية لم تسمح بتنفيذ هذا القرار لكن ذلك لم يمنع بعض الإدارات البيروقراطية في الحكومة العراقية بتأييد المنظرين الاقتصاديين العاملين في الهيئات الاستشارية المرتبطة بالحكومة من إثارة خطاب الخصخصة بين فترة وأخرى لتبرير الفشل في تطوير القطاعات الاقتصادية في مجال الصناعة والزراعة والخدمات . فما الذي حصل في هذه التجارب على تواضعها ؟
قبل الخوض في استعراض هذه التجارب لابد من تفكيك الخلط في المفاهيم المتساوقة في هذه التجارب هل هي استثمار أم خصخصة ؟ فاغلب هذه التطبيقات في قطاعات حكومية ترتبط مباشرة بحياة المواطنين رغم تواضعها ، لا هي بالاستثمار إذا ما تمت مقارنتها بمتطلبات قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 المعدل الذي يؤكد توظيف رؤوس أموال في القطاعات الاقتصادية من خارج موازنات الدولة ، ولا هي بالخصخصة التي تعني نظريا نقل الملكية بكاملها من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص او المختلط .
ولنأخذ على سبيل المثال معمل اسمنت السماوة فقبل إدخال هذا المعمل إلى الاستثمار أو الخصخصة من قبل شركتي لافارج والرواد العراقيتين كان حجم إنتاجه أكثر من 100 ألف طن شهريا وأرباحه السنوية تزيد عن ملياري دولار سنويا كان من المكن أن تسهم في تعزيز الموازنات السنوية إما في الوقت الحاضر فلا يزيد إنتاجه بحسب البيانات المتوفرة عن 30 إلف طن في الشهر كما إن عدد العمال المسرحين قسرا او المحالين إلى التقاعد بضغط من إدارة المعمل او سوء أوضاع العاملين ، أكثر من ألفي منتسب أي إن حصيلة هذه التجربة تسريح أغلب العاملين وإحالة آخرين إلى التقاعد وتأخير مستحقات ما تبقى من العاملين لثلاثة أشهر ناهيك عن فقدان حقوقهم في الأرباح السنوية والمكافآت التشجيعية .أما ما يقال عن تجربة الخصخصة التي تطبل لها وزارة الكهرباء صباح مساء وهي من القطاعات الإستراتيجية بوصفها تجربة مثالية ، بحجة توفير طاقة على مدى 24 ساعة ،رغم انها مستقطعة من استحقاقات القطاعات الجغرافية التي تزودها الوزارة بالطاقة الكهربائية فلا هي بالخصخصة لأن ملكيتها تابعة للوزارة ذاتها ولا هي بالاستثمار لان المستثمر لم يضف شيئا من رأسماله الخاص سوى خطاب ضمان لا يزيد عن مليوني دينار ودور المستثمر في هذه التجربة المضللة لا يزيد عن جباية الأجور التي بإمكان الوزارة كما فعلت سابقا بتكليف قراء المقاييس بهذه الوظيفة بمنحهم نسبة لا تزيد عن ستة بالإلف من حجم الأجور.
أما تجربة خصخصة البطاقة التموينية التي لم تخرج إلى الضوء بعد والهدف منها تنصل الدولة عن دورها في دعم معيشة المواطنين في هذه الظروف القاسية ونقل ملفها إلى القطاع الخاص ، كما يظهر من تلكؤها خلال السنوات الماضية وتقليص تخصيصاتها في موازنة العام الجاري بما لا يسد سوى 30 في المائة من حاجة العراقيين .
إن مهمة الدولة في الظروف الراهنة تتركز في التخفيف من معاناة المواطنين نتيجة لفشل الحكومات المتعاقبة في التوظيف العقلاني لمئات مليارات الدولار خلال السنوات السابقة وأطلقت العنان للفاسدين وسراق المال العام وتعطيل أكثر من 6 ألاف مشروع ، والإبقاء على البطاقة التموينية وتحسين موادها وإتباع سياسة تنموية رشيدة وتقليص البطالة إلى ادنى مستوياتها وتحسين كفاءة الإدارة الاقتصادية وفوق هذا وذاك تنفيذ وعودها بمكافحة الفساد والفاسدين