اعمدة طريق الشعب

دور البنك المركزي في تقويم مسار النشاط المصرفي / إبراهيم المشهداني

ان الكثير من الوقائع التي تناولها الإعلام الاقتصادي وتوقف عندها خبراء المال والاقتصاد ، تشير بوضوح إلى قيام العديد من المصارف الأهلية وأحيانا بعض المصارف الحكومية بالتلاعب بأموال المودعين والمماطلة عن طريق الغش والاحتيال ما دعا إلى إحالتها الى القضاء وبالتالي ساهم في ضعف ثقة المواطنين بالنظام المصرفي واضطرارهم إلى الاكتناز الذي تقدر المؤسسات المالية قيمته بما يزيد عن 70 تريليون دينار عراقي . وتكشف هذه الوقائع قيام المدراء بتوظيف ودائع المواطنين لتحقيق منافع شخصية وهذا هو الشكل الأول من إشكال التلاعب المالي . والشكل الاخر للاحتيال ،يتمثل بقيام موظفين في المصارف الحكومية والأهلية بعمليات سرقة وتلاعب من خلال المقاصة الالكترونية بالإضافة إلى عمليات سحب أموال طائلة بموجب صكوك ليس لها رصيد .
ولم تتوقف إشكال الاحتيال عند هذه الحدود بل توسعت وتنوعت طرائقها فتناسلت عن اشكال أخرى أكثر خبثا تمظهرت بما سمي بالصكوك الطيارة التي تصدرها بعض البنوك لفترة وجيزة تنتهي بمجرد الدخول إلى نافذة البنك المركزي وشراء الدولار بالسعر الرسمي ومن ثم بيعه في السوق تحقيقا لمنافع كبيرة استغلالا للفرق بين السعرين ويصار بعد ذلك إلى إعادة قيمة الصك الصادر من البنك المعني وتقاسم الإرباح بين مدير البنك والمحتال وقد ذاع صيت هذا النوع من الاحتيال بقوة في الوسط المالي .
لكن الأكثر خطورة في جميع أصناف الاحتيال على المستويين المحلي والعالمي ما درج على تسميته بغسيل الأموال وقد نشأت الظاهرة في العراق بعد عام 2003 عندما تعرضت معظم البنوك إلى السرقة وكذلك من الأموال المتأتية من بيع الآثار التي تمت سرقتها ، ومن سرقة المكائن والآلات والمعدات والمصانع وبيعها خارج العراق، فضلا عن الاستحواذ على المال العام عبر المشاريع الوهمية واحدث اشكال غسيل الأموال ما تم عبر استغلال نافذة البنك المركزي من قبل أشخاص وشركات ومؤسسات مصرفية متنوعة في عمليات تزوير قل نظيرها حققت مئات المليارات من الدولارات وتقدر خسائر العراق بهذا الأسلوب ما مقداره 360 مليار دولار للفترة ما بين 2006 و2014 ويرجع خبراء الاقتصاد ضياع أموال المواطنين إلى فساد الإدارات وسوء التخطيط المالي وضعف كفاءة أشخاص تم تعيينهم خارج متطلبات الخبرة المصرفية. كما ان إعلان بعض الدول قبولها الأموال غير المشروعة وتقديم التسهيلات مقابل فوائد يشجع على اتساع عمليات غسيل الأموال .
لقد أنتجت كل هذه العمليات القذرة تفتيت ثروة البلد وإضعاف الاقتصاد العراقي وزيادة نسبة الفقر وتهالك البنية التحتية ودعم الإرهاب والجريمة المنظمة بشكل خطير. وهذه المظاهر سوف لن تتوقف ما لم تتم مراجعة السياسية الاقتصادية بشكل عام في مواجهة هذه المخاطر ومكافحة آثارها الاقتصادية السيئة ، وان ينهض البنك المركزي بدوره عبر السياسة النقدية بشكل خاص بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة باتخاذ سلسلة من التدابير نذكر منها :
1. تفعيل الإجراءات الرقابية من قبل البنك المركزي وفقا لقانون البنك رقم56 لسنة 2004 والاستخدام الواسع للتكنولوجيا المتطورة في التعاملات النقدية اليومية عبر شبكة تربط كافة البنوك.
2. الاسراع بإحالة الجرائم المرتكبة في القطاع المصرفي إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات العقابية وإنزالها بمرتكبيها لتكون إنذارا لمن تسول له نفسه الإيغال في الفساد .
3. اعمام المقاصة الالكترونية على جميع المصارف وفروعها لتتبادل أوامر الدفع فيما بينها بطريقة آلية من خلال الاحتفاظ بأصل الصك وإرسال صورته وبياناته إلى الإدارة العامة للمصرف .
4. تشريع قانون خاص بغسيل الأموال يأخذ بالاعتبار الظاهرة وأسبابها ومعالجة آثارها، والاستئناس بالقوانين الدولية الخاصة بهذه الظاهرة .