اعمدة طريق الشعب

أضواء على مشكلة المياه في العراق / إبراهيم المشهداني

تعد مشكلة المياه في العراق واحدة من ابرز المشاكل الجدية التي تمارس تأثيرها المباشر على عملية التنمية الاقتصادية وخاصة الزراعية منها، وما تتركه من آثار على الأمن الغذائي كركيزة من ركائز استراتيجيات التنمية المستدامة في مواجهة ظواهر الفقر التي يتسع مداها مع تعمق الأزمة الاقتصادية في العراق .
ان البحث عن أية حلول لهذه المشكلة يتطلب دراسة أسبابها وتقييم الجهود التي بذلتها الدولة منذ عشرات السنين على المستويين الداخلي والخارجي ومراجعة السياسات المائية والروائية خلال تلك الحقبة الزمنية . ان الدراسات التي تناولت هذه الإشكالية تشير بلا لبس أن هناك أزمة مياه حقيقية في العراق ، حذرت منها مؤخرا لجنة الزراعة والمياه البرلمانية ، وتتمظهر في مستويين : الأول المستوى الداخلي وبشكل خاص التغييرات المناخية وانخفاض الإمطار وقلة السدود والخزانات المائية وكثافة النباتات الطفيلية في الجداول ومشاكل توزيع المياه التي تقلصت عملية الرقابة عليها خصوصا في العقدين الأخيرين من القرن الماضي واستمرارها بعد عام 2003 فضلا عن التخلف الكبير في استخدام طرق الري الحديثة كالري بالتنقيط مثلا وتأثير كل تلك العوامل على عملية تنظيم المياه على كامل الرقعة الزراعية .والمستوى الثاني وهو الأبرز يتمثل في النزاعات التي تنشا بين الدول المتشاطئة وتناقض التفسيرات للقوانين والأعراف الدولية ونوازع الهيمنة التي تحدد مواقف بعض البلدان في ممارسة الضغوط السياسية على بلدان التشارك المائي وهذا ما يحدث بين العراق وتركيا . صحيح إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تنظر خلال الفترة الماضية بعين الجدية إلى حجم المشاريع التي تقوم بها الجارة تركيا والتي تؤشر خطورة استكمال هذه المشاريع وتجاوزها على حقوق العراق المائية وفقا للقوانين الدولية ، لكن المواقف التركية وتصريح زعمائها في مناسبات عدة تؤشر الى تجاهل فظ لهذه الحقوق . فمشروع الغاب في تركيا يتكون من 22 سدا و19 محطة لتوليد الطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى أهمها سد اليسو الذي يفترض أن ينتهي العمل به هذا العام ما يؤدي إلى انخفاض شديد في كمية المياه الداخلة إلى العراق من 21 بليون متر مكعب إلى 7,9بليون متر مكعب يجري ذلك كله دون مشاورة العراق واستحصال موافقته .
ولا شك إن تصريحات الزعماء الأتراك حول حقوق العراق المائية تؤكد تلك المواقف والتي تنظر الى الثروة المائية كمعادل للثروة النفطية وتجسد هذه النظرة في وسائل إعلامها وحتى مسلسلاتها الفنية فما صرح به سليمان ديمريل ومن قبله توركوت اوزال في افتتاح سد أتاتورك عندما أشار الى إن مياه الفرات ودجلة ومصادرهما هي موارد تركية وأننا نتشارك مع العراق وسوريا بالنفط ولا يحق لهما القول إنهما تشاركاننا مواردنا المائية وما ينطبق على تركيا يجد تعبيره في مواقف الجارة إيران في غلق العديد من الأنهر النابعة من أراضيها . ان هذه المشاكل واستمرارها مرشحة لوضع العلاقة مع البلدين التي نطمح إلى ان تكون الأفضل ، في أزمة سياسية على المدى المتوسط والبعيد .
كل ذلك يتطلب من الحكومة العراقية اخذ كل هذه المشاكل بعين الاعتبار في خططها واستراتيجياتها بما فيها تحسين إدارة المياه للاستفادة من الثروة المائية في الداخل ومن خلال تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع الدول المتشاطئة كل من تركيا وسوريا والتوصل مع إيران إلى اتفاقات مماثلة بما تحمله تلك الاتفاقيات من مبادئ وحقوق قانونية دولية تبلورت مع الوقت الى قواعد قانونية دولية ساعدت في ضمان حقوق الدول المتشاطئة . والاستفادة من المؤسسات العدلية الدولية ومنها محكمة العدل الدولية في لاهاي وصولا الى اتفاقات ثنائية ضامنة لحقوقنا المائية .