اعمدة طريق الشعب

غسيل الأموال ابتلاع للثروة الوطنية / إبراهيم المشهداني

تشير المعلومات المنشورة على موقع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ان وزارة الخزانة الأمريكية قد اتخذت، في السادس من شهر حزيران الماضي ، قرارا بدرج 96 مصرفا ومكتبا للصيرفة في العراق على القائمة السوداء وتبعا لذلك فان البنك المركزي اتخذ هو الآخر قرارا بإدراج شركات محلية للصيرفة على القائمة السوداء دون الإشارة إلى التحقيق مع هذه الشركات او سحب الرخصة الممنوحة لها، وبصرف النظر عن شكل العلاقة بين البنك المركزي والمؤسسات المالية الأمريكية فان هذا الإجراء بحد ذاته يشير إلى ضعف الرقابة على الشركات المالية العراقية وتصرفاتها المالية .
ومن جانب آخر فان هذه الإجراءات بحد ذاتها ، تؤكد ان عمليات غسيل الموال ما زالت من الجرائم المقلقة التي تفتك بالاقتصاد العراقي وتنهب موارده لتصب في مصالح الاقتصاديات الخارجية ، عبر أساليب التحايل والتزوير التي تستمر في ممارستها العديد من المصارف وشركات التحويل الخارجي وتؤكد في الوقت ذاته استمرار مخاطر الإجراءات الليبرالية التي اتخذها الموظف الإداري لسلطة الائتلاف بريمر بفتح الأبواب مشرعة إمام مختلف الأنشطة غير المشروعة عبر السياسات التي انتهجها من خلال الانفتاح الكامل للسوق العراقية على الاستيراد ومتطلباتها المالية وحرية انتقال رؤوس الأموال والتدفقات المالية وتحرر منفلت في التجارة الخارجية العراقية .
ويبدو ان انعدام الشفافية في عمل البنك المركزي لسنوات ساهم في تنشيط عمليات غسيل الأموال وشحة المعلومات المتعلقة بالتحويلات الخارجية للأموال العراقية ومواصلة اعتماد السرية المصرفية التي تدفع بقصد او بدونه الى التراخي في مواجهة جرائم غسيل الأموال وخاصة عبر نافذة بيع العملة وترتب على كل ذلك، بصورة مباشرة او غير مباشرة، إضعاف الدخل القومي واستنزاف العملة الصعبة واختلال التوازن بين الادخار والاستثمار وعدم استقرار الأسواق النقدية والمالية واتساع التهرب الضريبي وتبعاته في انخفاض الموارد المالية للدولة والتكاليف التي تتحملها الدولة في الإنفاق على الأجهزة الامنية المختصة وإجراءاتها وخلق فجوات طبقية في المجتمع مع ما يرافقها من صراعات متعددة الإشكال وانحدار واضح في مستوى أداء الاقتصاد العراقي وهشاشة الخدمات وتلوث البيئة ومخرجاتها من الإمراض الفتاكة التي تعجز وزارة الصحة عن مواكبتها .
ولعل أوضح تجسيد لهذه الظواهر، ما تشير إليه التقديرات في خسائر الاقتصاد العراقي التي يتفق عليها بشكل شبه إجماع خبراء الاقتصاد إلى ان قيمة هذه الخسائر للفترة من 2006 إلى عام 2014 تقدر ب 360 مليار دولار بما معدله 4 مليارات شهريا وبتأكيد منظمة الشفافية الدولية .
من هنا فان الدولة بكل مؤسساتها وفي المقدمة منها السلطة التنفيذية مطالبة بالتوقف عند هذه الظاهرة الخطيرة ودراستها بإرادة قوية والبحث المتواصل عن مخرجات كفيلة بمعالجة أسباب ظاهرة غسيل الأموال من النواحي التشريعية والإدارية والتنسيق مع المؤسسات الدولية الفاعلة. وبهذا الخصوص نقترح ما يلي :
1. تفعيل قانون مكافحة غسيل الأموال رقم 42 لسنة 2015 وإصدار التعليمات الضرورية لتنفيذه بشكل فاعل من قبل البنك المركزي ودائرة مكافحة الجريمة الاقتصادية في وزارة الداخلية وتقديم الدعم الكافي للقضاء العراقي لمعاقبة الأيدي العابثة بأموال العراق ومن يقف وراءها من السياسيين .
2. التأكيد على كشف الذمم المالية للمسؤولين في السلطات كافة وأجهزة الدولة وإصدار التشريعات القانونية الملزمة لتنفيذها ومحاسبة من تنصل منهم عن الالتزام بها واعتبارها أداة فاعلة وكاشفة لتركز الثروة لدى الكثير من المسؤولين ، وزراء ونواب نزولا عند اصغر موظف في الدولة العراقية .
3. الاستفادة من لوائح الأمم المتحدة المتعلقة بتهريب الأموال وغسيلها والجرائم التي تدور في فلكها والاستعانة بالشركات الدولية المتخصصة بتدقيق الأموال بالاستناد إلى القرارات التي يصدرها القضاء العراقي .
4. السيطرة على المنافذ الحدودية ومنع التهريب بكل إشكاله والتنسيق مع دول الجوار للحد من ظاهرة تهريب الأموال والقيم المادية الأخرى .