اعمدة طريق الشعب

غياب تكافؤ الفرص في العلاقات التجارية مع الدول الأخرى / إبراهيم المشهداني

تشكل التعاملات التجارية الراهنة بين العراق والدول الخارجية وخاصة الدول المجاورة عوامل سلبية مؤثرة على سرعة التنمية الاقتصادية وتمكين الاقتصاد العراقي من اللحاق بالاقتصاديات الاخرى ما يتطلب تحسين ادارتها والتخطيط الجيد لها.
ان تتبع مسارات السياسة الاستيرادية منذ عام 2003 يشير الى تلازم وثيق بين اهمال القطاعات الانتاجية وتصاعد وتيرة الاستيراد من الدول الاخرى وخاصة دول الجوار التي اخذت منحى خطيرا انعكس سلبا على ميزان المدفوعات ومستوى تطور الانتاج الوطني وقاد الى خروج العملة الصعبة بأرقام فلكية كان بالإمكان توظيفها في تطوير العملية الانتاجية دون الاخلال بمبدأ التكامل بين الانتاج والاستيراد لو جرت دراسة رشيدة لحاجة السوق العراقي وحركة استيراد البضائع والسلع بشقيها الاستثماري والاستهلاكي.
لكن تأمل تصريحات بعض المعنيين في حقل التجارة ينبئنا بان هناك رايا آخر في النظر الى افق التعاملات التجارية مع دول الجوار فتصريحات رئيس غرفة التجارة المشتركة بين ايران والعراق التي نشرت عبر وسائل الاعلام، قد اعطت تصورا قاطعا في طبيعة السياسة الاستيرادية المخطط لها من قبل دوائر خارجية حيث كان متيقنا على ما يبدو من ان العراق سيبقى السوق الاكبر في المنطقة لمدة خمسة عشر عاما من حيث تصريف البضاعة الايرانية وذلك يعني بدون مواربة ارتهان السوق العراقي الاستهلاكي لسوق ايران الانتاجي لمدة طويلة مع ما يصاحب ذلك من تدفق العملة الصعبة الى ذلك السوق دون ان يرتبط ذلك بما يقابله من الصادرات العراقية. وهذا امر غير مفهوم اذا ما علمنا ان المواد المستوردة من ايران تشمل المواد الغذائية والالبسة ومواد الانشاء مثل الصلب (في العراق مصنع الحديد والصلب متوقف وليس في وارد الدولة تفعيل دور هذا المصنع) والسمنت رغم ان لدينا الكثير من هذه المعامل ويمتلك خبرة كافية في انتاج هذه المادة التي حظيت بقبول واسع في الاسواق الخارجية وخصوصا الخليجية، وهي بضائع منتجة حاليا في السوق العراقي وبالإمكان توسيع انتاجها وتعزيز قدرتها التنافسية ازاء السلع المستوردة اذا ما تمت مراجعة السياسة الاستيرادية. واذا توخينا الدقة فان ايران ليست الدولة الوحيدة التي تهيمن على السوق العراقي فقيمة تعاملاتنا التجارية والاستثمارية مع تركيا تقارب ثلاثة عشر مليار دولار فضلا عن السعودية ودول عربية واجنبية اخرى. ناهيك عن البضائع الصينية التي اغرقت اسواقنا وكل ذلك ناتج عن السياسة الاستيرادية التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة، فالمعطيات تشير الى ان قيمة الاستيرادات للقطاع الخاص عبر نافذة البنك المركزي لغاية عام 2016 بلغت اكثر من 278 مليار دولار هذا عدا استيرادات المؤسسات الحكومية عن طريق البنك العراقي للتجارة. كل ذلك ادى الى تعظيم الطلب على الدولار وزيادة سعر الصرف للدولار مقابل قيمة الدينار وارتفاع مستوى الاسعار وانعكاساته الضارة على مستوى معيشة المواطن العراقي.
ان التخفيف من التكاليف التي تتكبدها الخزينة العراقية نتيجة اتساع نطاق البضائع المستوردة، تلقي على عاتق الحكومة ضرورة المراجعة الجادة لمجمل سياساتها الاقتصادية ولاسيما الاستيرادية من خلال العديد من الاجراءات نذكر منها:
1. وضع خطة متكاملة لتأهيل المصانع المتوقفة بغية اعادة دورة الانتاج وتفعيل الصناعة التحويلية من اجل سد حاجة السوق العراقية وبالتالي ايقاف نزيف العملة الصعبة الناتج عن مفاعيل الاستيراد الخارجي غير المخطط.
2. العودة الى نظام منح اجازات الاستيراد في ضوء حاجة السوق وعوامل العرض والطلب وفي ضوء البرنامج الاقتصادي الحكومي.
3. ترشيد الاستيراد بما يسهم بشكل فاعل في حماية الاقتصاد الوطني من خلال دراسة حاجة السوق في قطاع الاستثمار وقطاع الاستهلاك وتفعيل دور السياسة المالية والنقدية والارتقاء بجودة وسلامة المنتج الوطني والاهتمام بثقافة المستهلك.
4. تمكين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من الارتقاء بعملية الانتاج من خلال تأمين التسهيلات المالية عبر الجهاز المصرفي والقوانين الراعية للإنتاج واعادة تدوير رأس المال.