اعمدة طريق الشعب

حول تعظيم الموارد المالية / ابراهيم المشهداني

تثار حاليا في وسائل الاعلام وفي المنتديات الاقتصادية والندوات النقاشية دعوات حكومية عالية المستوى لتعظيم الايرادات المالية يشارك فيها اقتصاديون في الحكومة وخارجها ومن يهمهم الشأن الاقتصادي المأزوم في العراق لمعالجة مظاهر الازمة الاقتصادية وتزايد الانفاق الحكومي الذي معظمه يذهب لأغراض عسكرية ولا يخلو من هدر وتبذير في جوانب اخرى مما يسبب عجزا كبيرا في الموازنات السنوية.
ومن البديهي ان اية دولة طامحة للتقدم، لابد لها ان تبدأ، قبل اية اجراءات مكلفة، بإعادة بناء قاعدتها الاقتصادية المتجسدة في الصناعة والزراعة والسياحة والبناء والتشييد وغيرها التي تعد المصادر الاساسية في التمويل وانتاج الدخل فهل تحقق ذلك بعد التغيير في عام 2003؟
لقد وضعت وزارة التخطيط بالتنسيق مع معظم الوزارات ثلاث استراتيجيات تنموية ولكنها جميعا لم تستطع النهوض بالاقتصاد العراقي وتدوير عملية الانتاج وخلق رأس المال وبالرغم من الاهداف الطموحة التي رسمتها هذه الخطط لكنها لم تكن سوى ارقام جامدة. اذا استثنينا قطاع النفط الذي يشكل جزءا من الصناعة الاستخراجية وحظي باهتمام الحكومة لتوافر عوامل خارجية تتمثل بضغط الدول الصناعية الكبرى التي تشكل المستورد الدائم للنفط لسد حاجة ماكنتها الصناعية واخرى عوامل الداخلية تتمثل بكون الاقتصاد بطبيعته قد كان تاريخيا وحيد الطرف لاعتماده موارد النفط بصورة رئيسة، ومن خلال هذه العلاقة كان العراق جزءا من النظام الرأسمالي العالمي في تقسيم العمل الدولي، مع استثناء مرحلتي الستينيات والسبعينيات التي اتجهت خلالها السياسات الاقتصادية لإعادة التوازن في الاقتصاد.
في البلد ازمة مالية وان ابواب الانفاق تتسع يوما بعد آخر في مقابل ضعف الموارد وفي مقدمتها الموارد النفطية زائدا موارد القطاعات الانتاجية التي اصابها الاهمال، وهذه الموارد لا تشكل سوى 5 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي بما فيها الصناعة والزراعة والضرائب والرسوم الجمركية التي تقترن بعملية فساد قل نظيرها في تاريخ العراق كتب عنه الكثير. ان توجه الدولة الى تعظيم وارداتها في ذات الوقت الى الاقتراض الخارجي والداخلي الذي وصل بحسب مصادر مالية وبرلمانية الى 123 مليار دولار، وتذهب الى المزيد من تعظيم الديون بأشكال غير مباشرة وليس ادل على ذلك من اصدار السندات السيادية الخارجية دجلة والفرات التي تدفع فوائدها كل ستة اشهر فان فوائد سندات (فرات) السنوية مثلا 13،5 في المائة وهي بالتحليل النهائي لا تختلف عن مشروع قانون البنى التحتية الذي طرحته الحكومة السابقة ورفضه البرلمان في وقتها.
ان هذا الشكل من الديون وان تأخرت دفوعاتها فأنها ستضيف الى النفقات العامة تكاليف اخرى وبالعملة الصعبة، فلا تفرحوا اذا تكالبت عليها الشركات الاجنبية بما فيها صندوق ابو ظبي الاستثماري او صندوق النقد العربي فعسيلتها قوية المذاق!.
والغريب في الامر ان الدولة وهي تشكو قلة مواردها تفرض، يوميا على المواطنين في معظم الوزارات ضرائب ورسوم ما انزل الله بها من سلطان بدون سند قانوني وهي تحولت الى اتاوات وآخرها خصخصة الخدمات الامنية ولم يبق للدولة غير التمتع بإجازة طويلة الاجل.
ان الحكومة ان ارادت تعظيم ايراداتها حقا فعليها تنشيط مصادرها الداخلية ابتداء من تحريك حركة التنمية الاقتصادية وتأهيل صناعتها الداخلية الاستخراجية والتحويلية وضبط اوعيتها الضريبية ومحاسبة المتهربين منها ومنهم اولئك الممتنعون عن كشف ذممهم المالية في مجلس النواب وكبار موظفي الدولة التي تذهب الى تراكم مالي في الثروات الشخصية بعيدا عن المالية العامة واهدافها الاجتماعية والاقتصادية وخفض نسبة الانفاق الحكومي وخاصة الرواتب العالية والحفاظ على الرسوم الجمركية من خلال مكافحة الفساد والاستعانة بشركات تدقيق رصينة لضبط ايقاع هذه الموارد السيادية.
ان انشاء صندوق خاص بتعويضات الدين العام الذي طرحه المستشار المالي لرئيس الحكومة من خلال الزيادات في اسعار النفط ونسبة من الفوائض المالية التي تتحقق من مختلف المصادر المالية الاخرى مشروع يستحق التأييد في الظروف الراهنة.