اعمدة طريق الشعب

نحو تعاون اقتصادي عربي مشترك / ابراهيم المشهداني

بعد جمود سياسي ودبلوماسي، امتد لسنوات عديدة، واتخاذ مجموعة من التدابير التي تفتح آفاق التعاون المشترك في العديد من المجالات الاقتصادية ومن ضمنها موافقة مجلس الوزراء العراقي على انشاء مجلس التنسيق السعودي العراقي، كل ذلك يشير الى وجود مصالح مشتركة بين البلدين تتطلب ازالة الكثير من الحواجز الظرفية والعقبات الناشئة عن الظروف المعقدة في المنطقة التي نشأت في العقدين الاخيرين، ليس فقط بين البلدين الشقيقين وانما توسيع هذا التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي والانطلاق الى الفضاء العربي الاوسع الذي يعتبر عمقا استراتيجيا للعراق لإحياء الاتفاقات الاقتصادية وصولا الى السوق العربية المشتركة التي تصب في مصلحة كافة الدول العربية على اختلاف نظمها السياسية.
ان التنسيق الاقتصادي العربي المشترك تمتد جذوره الى منتصف الاربعينيات ولاسيما بعد نشوء الجامعة العربية والتي بالرغم من الخلافات العربية التي شابت مؤتمرات هذه المنظمة طيلة الفترة الماضية لاختلاف المواقف في هذه القضية او تلك او بسبب الضغوطات الخارجية، الا انها كانت منبرا لإبرام الكثير من الاتفاقات الاقتصادية ولعل اهمها اقامة المجلس الاقتصادي العربي الممتد من عام 1953 ولغاية 1998 لكن هذا المجلس شهد تطورا كبيرا خلال انعقاد مؤتمر القمة العربي في العراق عام 1978 حيث تم توسيع صلاحياته من خلال الزامية قراراته وعدل اسمه ليصبح المجلس الاقتصادي الاجتماعي العربي واهم انجازاته اتفاقية تسهيل التبادل التجاري والترانزيت بين الدول العربية.
ومن الضروري في هذا المجال الاشارة الى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي وافقت عليها الجامعة العربية في عام 1956 وصادق عليها المجلس الاقتصادي العربي في عام 1957 والتي نصت على حرية انتقال الاشخاص ورؤوس الاموال وتبادل البضائع والمنتجات العربية والاجنبية وحرية الاقامة والعمل والاستخدام وممارسة الانشطة الاقتصادية وحرية النقل والترانزيت والمرافق والمطارات بالإضافة الى حقوق التملك والارث، ولو قيض لهذه الاتفاقية ان تنفذ وتستمر لكانت العلاقات بين الدول العربية قد توسعت وتعمقت مضامينها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وتحولت الى كتلة اقتصادية كبيرة ترتكز على اوسع رقعة جغرافية في العالم، لكن حساب الحقل غير حساب البيدر فان التحديات التي تواجه عمليات التنسيق كبيرة وعميقة ويتجلى ابرزها في الاختلافات السياسية بين الدول العربية نتيجة لمواقف حكومات هذه الدول وللمشاريع الاجنبية في هذه المنطقة والتدخل في شؤونها من قبل الدول الكبرى خاصة وانها تتربع على اهم مشاريع الطاقة واكبر سوق لتصريف البضائع الاستهلاكية، والمشاكل التي تعاني منها اقتصادات هذه البلدان التي تتجسد في ظاهرة البطالة العالية التي تصل الى 18 بالمائة ومستويات الدين العالية واختلال الميزان التجاري في معظم البلدان العربية والتدهور الامني في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وغيرها والتدخلات الاقليمية في شؤونها الداخلية وابرز اشكال هذا التدخل السياسة الاسرائيلية ومشاريعها العدوانية، بالإضافة الى المغالاة في فهم مبدأ السيادة المطلق الباعث لكثير من المخاوف التي تغلق الباب امام اية محاولة عربية لإيجاد منظومة اقتصادية عربية للتكامل الاقتصادي.
اننا نعتقد ان الطريق الى ذلك يمر عبر تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية ومواجهة الضغوط الاقتصادية التي تفرضها الرأسمالية المعولمة واحترام جملة من المبادئ لعل في مقدمتها احترام الموقف السياسي للبلدان العربية الاعضاء من الاحداث الدولية الساخنة والتخفيف من التجاذبات السياسية الناشئة عن مثل هذه المواقف والبحث في كافة الملفات العالقة المختلف عليها بروح الاحترام المتبادل والمرونة في معالجتها ونبذ روح الزعامة والتفرد في اتخاذ القرارات التي تؤدي الى الاختلاف والتشظي والعمل على وحدة المواقف للحفاظ على المنجزات الاقتصادية ذات المنافع المشتركة وضرورة الاهتمام بتنمية اقتصادية مدروسة ومتكاملة لقطاعات الانتاج في كل دولة وعلى المستوى العربي الكلي وتشجيع الاستثمارات المشتركة، وايجاد بنية اقتصادية ساندة لمشاريع التكامل الاقتصادي التي تتمثل بالخدمات والاجهزة المتطورة من شبكة طرق مواصلات جيدة ووسائل نقل عصرية ومنها شبكة قطارات سريعة بين الدول العربية. فهل هذا امر مستحيل؟!