اعمدة طريق الشعب

السياحة الداخلية ومتطلبات تنميتها / ابراهيم المشهداني

برزت السياحة كشكل فعال من اشكال الصناعة الحضارية في العالم ،ولهذا اخذت الكثير من الدول تعتمد عليها كعامل اساسي من عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بل والتقريب بين الدول من خلال فتح ممرات التلاقح الفكري والثقافي . ولابد ان يكون العراق واحدا من هذه البلدان كي يبني مشروعه السياحي الخاص به على المستويين الداخلي والخارجي .
ان دعامات هذا المشروع متوفرة بشكل واسع في البيئة العراقية ففيها المراقد الدينية في معظم المحافظات ، وفيه المواقع الاثرية التي تزيد على اثني عشر الف موقعا ، كما فيه المعالم التاريخية والبيئات الجاذبة للسائحين في مختلف فصول السنة . وعلى الرغم من كل ذلك وعلى عكس تنامي السياحة الدينية التي وصلت في عام 2016 الى اربعة ملايين ونصف من دول الجوار ايران خاصة ولبنان وباكستان وتركيا عامة ، حسب تقديرات مصادر حكومية ، الا ان السياحة الثقافية والتاريخية ما تزال مخيبة للآمال بسبب العديد من المعوقات وفي مقدمتها ضعف الاهتمام الحكومي في إعادة بناء القاعدة التحتية ومكملاتها لهذا القطاع وارتباطا بذلك اندثار الكثير من المعالم التاريخية نتيجة لتداعيات الحروب والارهاب الذي غزا العراق لعدة سنوات ، بالإضافة الى انعدام الامن والاستقرار السياسي والاجتماعي المانع الاكبر لجذب السائحين فضلا عن التغيير السلبي في التصاميم العمرانية في معظم المدن وانتشار العمارة الاستهلاكية التي افقدت العمارة العراقية جاذبيتها التراثية وخاصة في العاصمة بغداد حيث تحولت البيوت والشوارع التراثية التاريخية الى محلات تجارية واقرب مثال على ذلك شارع الرشيد بمقاهيه الثقافية التي كان يرتادها المثقفون العرب والاجانب .
ان الموارد المتحققة من السياحة في العراق ومعظمها دينية بلغت في عام 2010 ما مقداره 21,7 مليار دينار عراقي انخفضت في عام 2011 الى 17 مليار دينار عراقي . في حسن لم تتوفر في المصادر المتاحة ايرادات السنوات اللاحقة واية ارقام في هذا المجال على درجة من الوثوق بسبب غياب الشفافية وتخلف النظم المحاسبية والفساد الذي يضرب اطنابه في معظم الدوائر الحكومية ذات العلاقة وخاصة في المنافذ الحدودية.
ان تردي القاعدة التحتية السياحية في الداخل دفعت العراقيين الى السفر الى حارج البلاد مستغلين ما يفيض من مدخرتهم من العملة الاجنبية مبتعدين لبعض الوقت عن الصيف القائض والكثير من المنغصات وقد زاد عدد المسافرين الى اكثر من ثلاثة ملايين سائح ، وحسب هيئة السياحة فقد بلغ عدد المسافرين الى تركيا وايران لعام 2016 مليوني سائح والى لبنان مئتي الف سائح ناهيك عن بلدان اخرى مثل مصر والمغرب والامارات وروسيا وأذربيجان وبلاروسيا وجورجيا وماليزيا . وبحساب بسيط فان العملة الصعبة الخارجة لهذه الاغراض فقط تزيد على ثلاثة مليارات دولار سنويا في اقل التقديرات مع ما تتركه من آثار سلبية على ميزان المدفوعات والاحتياطي النقدي .وهذا الاندفاع الى الخارج قاد الى ارتفاع اعداد الشركات السياحية التي وصلت حسب احصائيات رابطة السياحة العراقية الى 667 شركة وفي بغداد وحدها يوجد 500 مكتب للسياحة والسفر غير مجازة قانونا ، من دون ان يقابل هذا اي اهتمام جدي بالسياحة الداخلية .
ان هذا الواقع يفرض على الحكومة اعادة النظر بجدية في الواقع السياحي واتخاذ التدابير الفاعلة للنهوض بهذا القطاع من خلال :
• اعادة تأهيل المواقع الاثرية والمتاحف وادخال الاثر التاريخي ضمن التصميم الاساسي للمدينة السياحية مع ضمان عدم الاقحام القسري للموقع ضمن البيئة الجديدة .
• تصميم المدن الدينية بما يسهم في اعادة الذاكرة بالقصص والوقائع والقيم والمعاني التي تنقلها المرويات الثابتة التي ترسم معالم الحدث ومعانيه وقيمه التاريخية ونشرها اعلاميا .
• تنمية الصناعات الحرفية الشعبية التي تعتبر عاملا هاما في الصناعة السياحية التي يشكل سوق الصفافير في بغداد مثالها الحي ، بالإضافة الى المنسوجات الحرفية .
• تمكين القطاعين العام والخاص وتشجيع الاستثمار الاجنبي نحو انشاء مشاريع سياحية ضمن البيئات السياحية في الاهوار والمسطحات المائية الطبيعية والاصطناعية والسعي الممنهج لتنمية قدرات الكوادر المهنية في مجال السياحة والفندقة والارشاد السياحي وتأهيلها لقطاعات السياحة على اختلافها .