اعمدة طريق الشعب

عشية إعداد الموازنة الاتحادية لعام 2018 / إبراهيم المشهداني

تشكل الموازنة الاتحادية لأية دولة اهمية كبرى كونها تعبر عن البرنامج الحكومي السياسي والاقتصادي والاجتماعي خلال الفترة الزمنية للموازنة التي من خلالها يمكن التعرف على الاهداف الحكومية عن طريق تحليل ارقام الايرادات والنفقات العامة التي تجمعهما الموازنة كوثيقة واحدة موحدة ولهذا تعتبر الاداة الرئيسة بيد الحكومة للنهوض بالاقتصاد الوطني .
ولان الارقام التي تنطوي عليها الموازنة في مجال النفقات والايرادات المالية العامة هي ارقام تخمينية فلابد ان تكون على درجة من الدقة والموثوقية وان تأخذ بعين الاعتبار مسارات الموازنات السنوية السابقة لتفادي المعوقات التي تجابهها والمخاطر التي قد تتعرض لها اثناء التنفيذ خاصة ما يتعلق بالهدر المالي والفساد.
ان احد اهم الاشكاليات التي واجهت مناقشة الموازنات السابقة هو غياب الحسابات الختامية وهي اشكالية دستورية بالدرجة الاولى اذ ان عدم وجود هذه الحسابات يشكل اخلالا واضحا بقانون الموازنة وخرقا فاضحا للمادة 62 من الدستور العراقي الذي الزم مجلس الوزراء بتقديم مشروع قانون الموازنة العامة والحسابات الختامية في حزمة واحدة ما يمكن ديوان الرقابة المالية من انجاز هذه الحسابات للسنة السابقة للموازنة . ولو جرى الالتزام بهذا النص لتمكنت السلطة التنفيذية ليس فقط من كشف الغطاء عن مكامن الفساد في وزارات الدولة ومؤسساتها، ولكن ايضا الكشف عن الفاسدين واتخاذ الاجراءات الحازمة لتجفيف مستنقع الفساد في الدولة العراقية وبالتالي الحفاظ على الموارد المالية لتغطية النفقات العامة والتخفيف من العجز الحكومي ومما يؤكد ذلك قيام البرلمان بدراسة الحسابات الختامية لعام 2007 بعد عدة سنوات فاكتشف فقدان مائة مليار دولار .
والاشكالية الاخرى اضطرار الحكومة للاعتماد الكبير على واردات النفط لتمويل الموازنة وسبب ذلك فقر الدولة الى مصادر اخرى للتمويل فلا تشكل هذه المصادر سوى 5 في المائة من الايرادات العامة وهذا يعكس فشل الحكومات المتعاقبة في ايجاد المصادر البديلة من خلال عدم قدرتها على ضبط ايقاع الرسوم والواردات الضريبية ومعالجة التهرب الضريبي من خلال اعادة النظر بالنظام الضريبي السائد منذ عقود وايضا عدم ضبط ايقاع التعرفة الكمركية بالرغم من زيادة مواردها النسبية في الفترة الاخيرة وغيرها من المصادر .
والاهم من كل ذلك الفشل المتراكم في توظيف الموارد النفطية خلال فترة انتعاش اسعارها في تنويع قطاع الانتاج السلعي وانعكس هذا الفشل على السياسة الاستيرادية لسد حاجة السوق التي شابها الانفلات بإشباعه حد التخمة بالسلع الرديئة وتداعياتها بخروج العملة الصعبة التي كان للجهاز المصرفي وخاصة البنك المركزي دور في عدم اتخاذ الاجراءات المطلوبة لضبط العملية من خلال دراسة علمية لسوقي الاستهلاك والانتاج بالتنسيق مع الوزارات ذات العلاقة وكي لا تقع الحكومة في نفس المطبات يتعين الاخذ بالاعتبار كافة النتائج المترتبة على تنفيذ الموازنات للأعوام السبقة من خلال :
• اعطاء اهمية اكبر للموازنة الرأسمالية ارتباطا بالخطط الخمسية والتقليل من الموازنة التشغيلية بغية تنفيذ البرنامج الحكومي في مجال تحفيز قطاع الانتاج وتمكينه من خلق موارد مالية للموازنات اللاحقة والتخفيف من المشاكل الاجتماعية للعراقيين .
• تقليص النفقات العامة بحذف النفقات التشغيلية الباهظة من مؤسسات الدولة العليا ، السيارات، الوقود، حمايات ، الايفادات غير المبررة وغيرها من اجل تخفيض العجز والتخفيف من الاعتماد على القروض وخاصة الخارجية لتغطية هذا العجز الذي اصبح لاسباب كثيرة عبئاً على الاقتصاد العراقي .
• السعي الجاد لزيادة مساهمة الموارد الضريبية والرسوم الكمركية في الانتاج المحلي الاجمالي وتعزيز مالية الدولة والتأكيد على ان تكون السياحة الدينية مصدرا مهما من مصادر التمويل الحكومي وضبط ايقاعها عبر مكافحة الفساد والفاسدين في المنافذ الحدودية .
• المضي بوتيرة اكبر في متابعة اعادة الاموال العراقية المهربة والاستعانة بالدول الصديقة لهذا الغرض من خلال امكانياتها القانونية ونفوذها لدى الدول الاخرى ويلعب البنك المركزي ووزارة الخارجية دورا كبيرا في هذه العملية .