اعمدة طريق الشعب

هل باتت الرعاية الصحية حلما؟ / فاروق بابان

كل الشرائع والمواثيق الدولية ودساتير العالم المتمدن، أعطت للإنسان أهمية كبيرة، لا سيما من حيث الحقوق والواجبات. فالمواطن محط رعاية الدولة ضمن دائرة قوانين وبرامج يضعها ويخطط لها عقلاء متسلحون بالعلم والمعرفة، يسخرون قدراتهم العلمية في خدمة الانسان.
قرأت مرة أن عالماً ابتكر دواء لمعالجة مرض فتاك، وانه جَرَبَ العقار على نفسه اولاً ليتأكد من فعاليته قبل انتاجه. وفي بلدنا العراق تستورد أدوية منتهية الصلاحية ويتم توزيعها من دون مراعاة لحياة الناس.. فالمهم هو ما يدخل في جيوب الفاسدين من حديثي النعمة والجاه. والاغرب هو انتشار دكاكين الخرافة لمعالجة المرضى، الى جانب الاعتداء على الاطباء، وقتلهم، وافراغ البلد من الكفاءات العلمية، والترويج للمشعوذين وتسويق بضاعتهم البائرة عبر فضائيات أعدت لهذا الغرض، مستغلين ظاهرة الجهل المستشرية بين بسطاء الناس، وغياب تأثير الثقافة الصحية الرصينة. وبنظرة وموقف يستندان الى منظومة قيم انسانية نبيلة، نرى ان مواطن هذا البلد هو ضحية الفوضى، حينما لا يبالي المسؤول به، ويزداد عسفاً ويغريه الكرسي.
حينما يراقب الحصيف واقع مستشفياتنا الرسمية، يستنتج ان معظمها لا يقدم خدمة طبية جيدة ترتقي إلى مستوى ما وصل اليه العالم المتمدن، من حيث العناية الطبية المقدمة للمواطنين، الا ما ندر وبنطاق ضيق يعتمد على انسانية الكادر الطبي ونزاهته واحترامه لشرف المهنة. علماً ان مراجعة المريض للمستشفيات الرسمية ترهقه مادياً وتعرضه للابتزاز. أما المستشفيات الاهلية فهي وسيلة اخرى لافراغ جيوب فقراء الناس.
وجع الناس ومعاناتهم مع الرعاية الصحية الضعيفة، يرجعني إلى الماضي، وإلى قصة صديقي الشاعر محمد درويش الذي توفي لعدم توفر قنينة أكسجين في المستشفى، وصديق آخر مات نتيجة خطأ في التشخيص الطبي. واسمعوا مني حكاية المريض «تومين إدعير» من محافظة واسط، الذي كان يرقد في مستشفى «ابن النفيس» في بغداد، ليجري عملية جراحية. فقيل لعائلته ان خيوط العملية غير متوفرة في المستشفى. وبعد جهد جهيد اشترت عائلته خيوطاً وهذه المرة قيل لها ان هذه النوعية غير جيدة. فاستمرت عملية البحث عن منقذ لتوفير الخيوط الجيدة، وتم الحصول عليها بسعر خيالي يفوق قدرة المريض، من خلال مافيات تعمل في داخل المستشفى.
وحدثني طبيب يحترم مهنته ومعروف بعلميته، ان مستشفاه يفتقر لكادر طبي مناوب يدير جهاز الاشعاع في الدوام المسائي!
أتساءل: متى يشمل المواطن بالرعاية الصحية اسوة بأقرانه في العالم المتمدن؟ أين يذهب فقراء الناس طلباً للعلاج؟ أليس من المفارقة أن نعيش في بلد غني ينعم مسؤولوه بالنعيم، ومواطنوه لا يحصدون سوى التعب والحرمان!؟