اعمدة طريق الشعب

من اجل درء مخاطر العجز في موازنة 1918 / ابراهيم المشهداني

من المعروف ان الموازنات العامة للدولة هي الاداة التي تعكس بشكل جزئي استراتيجيتها في الافادة الكاملة من مواردها المحدودة والاستخدام الامثل لها في القطاعات التي تؤدي الى الاسراع في عملية التنمية المستدامة، وفي ذات الوقت الادارة الامثل للنفقات العامة في الاوجه التي تؤدي اغراضها بعيدا عن الهدر والفساد الاداري .
واذ تجري الان مراجعة مشروع الموازنة السنوية لعام 2018 من قبل الحكومة، يتعين التوضيح ان العجز في الموازنات السنوية وخاصة في الاعوام ما بعد 2014 يحمل معه الكثير من المخاطر التي تعكر حياة المواطنين حينما يكون العجز ناشئا عن الافراط في الانفاق الحكومي، مما يؤدي الى ضغوط تضخمية بما لا يتناسب مع حجم الزيادات في العرض، وفي هذه الحالة تنعكس آثاره الضارة على الطبقات والشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود، الامر الذي يتطلب الاخذ بالاعتبار سلبيات الموازنات السابقة .
ان الوجهة الحكومية كما رأيناها في السنوات الاخيرة ، قد ذهبت الى الاقتراض الداخلي والخارجي لسد العجز في الموازنات السنوية، حيث ارتفعت نسبة العجز في عام 2014 بمقدار 6 في المائة، وفي عام 2015 بنسبة 15 في المائة، فيما كان حجم العجز في عام 2016 بحدود 17 مليار دولار، اي بنسبة 12 في المائة وهي بالتأكيد حالات مرتفعة بالمقاييس العالمية، ما قاد الى تراكم الدين العام الذي وصل داخليا 45 مليار دولار، وما يقرب من 80 مليار دولار ديونا خارجية. ومن المتوقع ان يصل حجم الاقتراض الخارجي لعام 2017 فقط الى 18 مليار دولار. وهذا فرض على الحكومة العراقية ان تخصص في موازنة 2017 ما مقداره 4,2 مليار دولار، وربما مثلها في موازنة 2018 لتسديد فواتير خدمة الدين العام. يقابل هذه المشكلة ضعف مصادر التمويل الداخلي، بالرغم من الارتفاع النسبي في اسعار النفط، اذا ما استمرت الدول النفطية في الحفاظ على مستوى انتاجها، ومن غير المتوقع بالنسبة الى العراق تغطية النفقات المتزايدة نتيجة للعمليات العسكرية ضد الارهاب واوجه النفقات الاخرى.
ويبدو ان صندوق النقد الدولي حاضر في هذه المشكلة وهو ما انفك يقدم نصائحه في معالجة سد العجز في الموازنات السنوية التي تأخذ بها الحكومة العراقية مضطرة، فهذه النصائح، كما هو معروف، تنصب على تخفيض النفقات التحويلية ذات الطابع الاجتماعي، خاصة ما يتعلق بالدعم الحكومي في مجال البطاقة التموينية التي تقلصت موادها الى اربعة انواع كل اربعة اشهر، بواقع مادة واحدة في كل شهر، وكذلك الاتجاه الى الخصخصة التي بداتها وزارة الكهرباء، برغم الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة، بالإضافة الى رفع حجم الضرائب غير المباشرة من خلال فرض المزيد منها في معظم مؤسسات الدولة، تنفيذا لما نص عليه قانون موازنة عام 2017 والاستقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين ووقف التعيينات للعاطلين في القطاع الحكومي. ان الدولة مطالبة بالبحث بجدية عن مصادر تمويل جديدة لسد العجز والتقليل ما امكن من الاقتراض عبر سلسلة من الاجراءات:
1. مكافحة التهرب الضريبي والتشدد في العقوبات القانونية، مع فرض الضرائب التصاعدية على اصحاب الثروات الكبيرة ارتباطا بايجاد جهاز تحصيلي كفوء وادارة حازمة، واعتماد التكنولوجيا الحديثة في رصد مداخيل المكلفين بأداء الضريبة .
2. تنفيذ الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة في البرنامج الحكومي في اعلان الحرب على كبار الفاسدين المعروفين من سيماء وجوههم، والذين تضامنوا في نهب المال العام بدون اعتبار للموقع الوظيفي او السياسي او العشائري.
3. تضمين قانون الموازنة لعام 2018 مادة يخول بموجبها وزير المالية صلاحية اصدار السندات الحكومية لسد العجز .
4. قيام وزارة التخطيط بتحديد المشاريع الاستراتيجية، وخصوصا المتوقفة من السنوات السابقة، وحسب الاولوية، ومنها المشاريع الخدمية، وتوزيع خدماتها على المواطنين بصورة عادلة، وتوظيف الزيادات في صادرات النفط لتغطية هذه المشاريع .