- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 30 تشرين1/أكتوير 2017 18:47
كيف لشعبٍ أن يعيشَ في سعادةٍ وهناء ، إذا تفشّت فيه الأوبئةُ والأمراض ، وانعدمت أو قلّت العلاجاتُ والأدوية؟!
أذكر في أوائل سبعينات القرن الماضي ، كان في قريتنا جنوب الفاو مستوصفٌ صحيٌّ ، فيه طبيبٌ وممرضةٌ وصيدلانيٌّ ومضمّدٌ فقط. كانوا يقومون بواجبهم على أحسن ما يكون وفي الحالاتِ الصعبةِ والمستعصيةِ يُحالُ المريضُ إلى مستشفى الفاو. وفي كل شهرٍ تأتي سيّارة السينما المتنقّلة لتعرض أفلاماً وثائقيةً عن الأوبئة والأمراض وكيفية علاجها والوقاية منها ، حيث يجتمع الناس في باحة المستوصف ليلاً ليبدأ عرض الفيلم على شاشة من القماش تُعلّق قريباً من السيّارة ، وترانا منشدّين إلى ما يُعرض من أفلام عن الكوليرا والطاعون والجدري والبلهارسيا والتدرّن وإمراض البرد وضربة الشمس. كما كانت تأتي بين آونةٍ وأخرى سيّارة الأشعة المتنقّلة لفحص الناس وتشخيص المصابين بالتدرّن ثم البدء ببرنامج علاجهم !
تذكّرتُ تلك الأيام وأنا أقرأ وأسمع وأعيش ما يحدث الآن من إهمال وانعدام أدوية وعلاجات في مستشفياتنا، واللامبالاة في معاملة الأطباء والممرضين للمرضى ، حيث يتركون المريض يراجع عشرات المرّات هنا وهناك دون جدوى ، بل يستفحل عليه المرض أحياناً وأحياناً يموت. فهم يحيلونه من طبيبٍ إلى آخر ومن فحصٍ إلى أشعّةٍ ثم تخطيطٍ شعاعي ورنينٍ مغناطيسيّ وغيرها ، والكلّ يعرف مواعيد هذه الإحالات والتي تصل إلى الشهرين والثلاثة والستة أشهر ، وفي هذه الحالة يستفحل عليه المرض ليكون علاجه صعباً !
فمن غير المعقول والمنطقي أن نهملَ تشخيص المرض بهذه البساطة ونصعّب الأمر عليه ، بل نُنهكه صحياً ومالياً بالمراجعات والفحوصات دون أدنى فائدة، ويظلَّ المريضُ يدور بين طبيبٍ وآخر وفحصٍ وأشعّة لمدة طويلة. كما إنّ البعض من الأطباء يعطون تشخيصاً غير دقيق ويثقلون كاهل المريض بكمية كبيرة من الأدوية التي يفرضون عليه شراءها من صيدليةٍ خاصة جداً وبأسعار غالية الثمن ،، وإذا لم تتحسن حالته يراجع طبيباً آخر وتعود الكرّة من جديد بتشخيص آخر وأدوية أخرى وخسارة تلو خسارة دون أدنى تحسّن يُذكَر !
الطبُّ مهنةٌ إنسانيةٌ مقدّسة وُهِبَت للبعض كي يخدموا البشرية ، والطبيبُ محترمٌ بنظر الناس لقدسيتها. علينا أن نعي جيداً ماهيّتها ونعملَ وفق ما يُمليه علينا الضمير الإنسانيّ الحقيقي لأننا سنكون سبباً في إنقاذ الكثير من الناس من الأمراض وإشاعة الصحة والسعادة بينهم ، لا أن نكون مصدرَ قلقٍ ورعبٍ وكراهيةٍ للحياة بسبب ابتعاد البعض عن أخلاقيةِ المهنةِ وتحولهم إلى جشعين وغير مبالين بصحة الناس دون أدنى وازع من ضمير !
علينا أن نفكّر جديّاً وبضميرٍ حيّ مليءٍ بالإنسانية والمحبّة لنعملَ على توفير البيئة الصحية الملائمة والعلاجات والأدوية ومستلزمات الفحص والتشخيص بعيداً عن الفساد والمحاصصة والطائفية التي لعبت بالبلاد والعباد، لأن الصحّةَ ركنٌ أساسيٌّ في تطوّر الشعوب وسعادتها وتأكيد حرية الأوطان !