- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 17 كانون2/يناير 2018 18:28
كل الشرائع والمواثيق الدولية أولت الإنسان أهمية كبيرة. فله حقوق وعليه واجبات. وفي العالم المتمدن يكون المواطن محط رعاية الدولة ضمن دائرة قوانين وبرامج يضعها ويخطط لها عقلاء متسلحون بالعلم والمعرفة، واضعين قدراتهم العلمية في خدمة الانسان.
قرأت مرة أن عالماً ابتكر دواء لمعالجة مرض فتاك. وجَرَبَ العقار على نفسه ليتأكد من فعاليته قبل انتاجه.
وفي بلدنا تستورد أدوية منتهية الصلاحية وتوزع من دون مراعاة لحياة الناس.. المهم ما يدخل في جيوب الفاسدين من حديثي النعمة والجاه. والاغرب هو انتشار دكاكين الخرافة لمعالجة المرضى - ربما على حساب قتل الاطباء وافراغ البلد من الكفاءات العلمية - وهناك محاولات للترويج للمشعوذين وتسويق بضاعتهم البائرة عبر فضائيات أعدت لهذا الغرض، مستغلة الجهل المستشري بين بسطاء الناس، وغياب تأثير الثقافة الصحية الرصينة.
وبنظرة وموقف يستند الى منظومة قيم انسانية نبيلة، نرى ان مواطن هذا البلد هو ضحية الفوضى والرخص، حينما لا يبالي المسؤول به، ويزداد عسفاً ويغريه الكرسي. وقيل قديماً على ألسنة امهاتنا الطيبات "لا شرطي ولا حكيم" والمقصود بالحكيم "الطبيب". عندها يكتشف الحصيف الوضع البائس في مستشفياتنا الرسمية، التي لا تقدم خدمة طبية جيدة ترتقي لمستوى ما وصل اليه العالم المتمدن في تقديم رعاية طبية للمواطنين، الا ما ندر وبنطاق ضيق. إذ يتوقف ذلك على انسانية الكادر الطبي ونزاهته واحترامه لشرف المهنة. علماً ان مراجعة المريض للمستشفيات الرسمية باتت ترهقه مادياً وتعرضه للابتزاز. أما المستشفيات الاهلية فهي وسيلة اخرى لتفريغ جيوب فقراء الناس.
وجع الناس يرجعني الى قصة صديقي الشاعر محمد درويش، الذي توفي لعدم توفر قنينة الاكسجين في المستشفى، وصديقي الآخر الذي مات نتيجة خطأ في التشخيص! واسمعوا مني حكاية المريض "تومين إدعير" من محافظة واسط، الذي كان يرقد في أحد مستشفيات بغداد لغرض إجراء عملية جراحية. فقد قيل لعائلته ان خيوط العملية غير متوفرة في المستشفى.
وبعد جهد جهيد اشترت عائلته خيوطاً، وهذه المرة قيل لها أن نوعيتها غير جيدة. واستمرت عملية البحث عن منقذ لتوفير الخيوط الجيدة. وبالفعل تم الحصول عليها من خلال مافيات تعمل في داخل المستشفى. فباعتها على عائلة المريض بسعر خيالي يفوق قدرتها الشرائية.
كذلك حدثني طبيب يحترم مهنته ومعروف بعلميته، عن مستشفاه الذي يفتقر لكادر طبي مناوب يدير جهاز الاشعاع خلال الدوام المسائي.
أتساءل: متى يشمل المواطن بالرعاية الصحية اسوة بأقرانه في العالم المتمدن؟ وأين يذهب فقراء الناس طلباً للعلاج؟
إننا اليوم في بلد غني ينعم مسؤولوه بالراحة، ومواطنوه يحصدون التعب والحرمان!