اعمدة طريق الشعب

متى نتخلّص من ثقافة الهدم ؟! / عبد السادة البصري

قبل أيام مررتُ من أمام ملعب الميناء الذي بات هياكل بعد هدمه لبناء ملعب حديث ،فاعتصر قلبي ألماً وحسرةَ، لا على الملعب فقط ، بل حينما شاهدتهم يقومون بهدم سينما الميناء الصيفيّ ، البناية التي سكنت ذاكرة الأجيال منذ ثلاثينات القرن الماضي ، والتي أمتعتنا بعرضها الأفلام الهندية والعربية والكاوبوي ، وغنّى فيها عبد الحليم حافظ وشريفة فاضل وفهد بلّان وفايزة أحمد ومحمد سلطان وغيرهم في الستينات!
تساءلت : ألا يمكن أن يُبنى الملعب الذي يريدونه في مكانٍ آخر، ويبقى ملعب الميناء على حاله كشاهد على قِدَم الرياضة في المدينة ؟!
ــ ألم نتخلّص من ثقافة الهدم والخراب بعد؟!
ــ ما لنا لا نشبه شعوب الأرض التي تعتزّ وتفتخر بإرثها العمراني ؟!
شناشيل البصرة لم تعد مثلما كانت.. هُدِمَ قسمٌ منها ، وآخر تم التجاوز عليه وبناؤه وفق أهواء المتجاوزين فلم تسلم سوى الأماكن التي خُصّصت لقصر الثقافة والفنون واتحاد أدباء البصرة وجمعية التشكيليين! وكان بإمكان الحكومة المحلية أن تجعل من المنطقة كلها أماكن تراثية للسياحة وتصوير المسلسلات والأفلام التي تتحدث عن الحقب الماضية!!
بهو الإدارة المحلية هُدِمَ وبُني مكانه مولٌ كبير ، وألقيت سنوات من الثقافة والفن في سلة المهملات ، وكان الأجدر ترميمه وبناء ( تايم سكوير ) في أي ساحة من ساحات البصرة الممتلئة بالسكراب !
بناية المحافظة القديمة أُهْمِلت وتم اتخاذها مقراً للجيش والشرطة ، وبالإمكان ترميمها وجعلها مبنى للثقافة والفنون كونها في منتصف المدينة وقلبها النابض ( العشّار) !
البناية الأثرية للمحكمة الشرعية في البصرة تم التجاوز عليها وتحولت الى بيوتات لم يُعِر ساكنوها أيّ اهتمام لقيمة البناية وأهميتها تراثياً !
والكثير من الأماكن التي مرَّ على تشييدها أكثر من قرن وكانت علامات فارقة للعمران والثقافة والفن المعماري في البصرة قديما ، هُدِمَت ومُسِحَت من الخارطة العمرانية لتقوم مكانها عمارات وأسواق وكراجات وغيرها !
أيعقل هذا ؟! أيعقل أننا لم نحترم تراثنا العمراني أبداً ، ولم نفكّر أن نجعل منه أماكن سياحية تغذّي اقتصاد البلد، أم إنّ ثقافتنا تُعنى بالهدم ولا شيء غيره ؟!
منذ عام 2003 حتى الساعة هذه تغيّرت معالم الكثير من الأماكن التراثية في البصرة ولم يبق منها سوى صورٍ في ذاكرة الأجيال السابقة!
علينا أن نفكّر بآلية البناء والعمران بعيدا عن هدم التراث العمراني هذا ، ونجعل منه متنزهاً للسياحة والثقافة والفن ، وان ننظر بعين العاشق الحقيقي الى المدينة وإرثها بعيدا عن الجشع المادي متناسين هويتها التراثية الحقيقية .