ادب وفن

صوت ..عمر الخيّام :قرط ٌ بأذني / مقداد مسعود

حين تقرأ سيرة عمر الخيّام ستجد شخصين في الشخص نفسه، في ذلك الماضي السحيق، كان المعروف هو عمر بن ابراهيم الخيّام ، العالم الفلكي، والذي صيّره نبوغه الفلكي الخاص للملك السلجوقي نظام الملك ، وبسبب نبوغه سيحارب من قبل ذلك التشدد الأصولي وهو نفس التشدد الأصولي الآن .. ولا عجب فأن التشدد يقف دائما خارج أي سيرورة، فهو راسخ في ثباته الى الأبد.
في زمن عمر الخيّام وقف «رجال الملة» ضد إبداعاته وكانوا يعرفون أيضا بالحنابلة.. وحين أكتشف الخيّام فرقا في التقويم القمري، وتوصل الى ذلك ليس بمسائل الجبر بل عبر نظريات المثلثات، اعتبروه ينحاز للكفار اليونانيين؟!، وعندما دحض مفاهيم بطليموس أتهمه زملاؤه بالغرور ، وحين أشتغل على مفهوم الفراغ أو دائرة الصفر اليوناني أعتبروه مجنونا.. لكن عمر الخيّام لم ينثن فهو ليس من المطاط ولم ينكسر كالتماثيل بل توصل الى اكتشاف الفرق في تقاويم ذلك العصر وحدّده بـ «خمس ساعات وثمانية وأربعين دقيقة وخمس وأربعين ثانية»..
بهذه الصفة ،أعني الحكيم الفلكي كان معروفا عمر الخيّام في عصره ، وبتعاطيه
إبنة العنب وعشقه الأبدي لزوى وبعدها لزوجته ياسمين وحين تموت بالطاعون ..
ستكون عائشة زوجته ومحبوبته وبتلك النهاية المأساوية لمشروعه الفلكي ،حيث أنتصر رجال الملة وأحرقوا مرصده وخربوا ونهبوا كل مافيه!.
الآن .. أعني في العصر الحديث..تراجع الفلكي وأشرقت علينا شمس الشاعر عمر الخيام...أما وقت الشعر في حياة عمر الخيام ، فإنه يتزامن مع وقت الخمرة..
والعلاقة بين الوقتين أكبر من علاقة علة بمعلول أو سبب بنتيجة...
لا يحد الوقتين أي تقويم بما فيه تقويم الفلكي عمرالخيّام..
كلما طالعت سيرته ُأو رباعياته أستعادني ذلك الصوت الطري وهو يقرأ لي الرباعيات بلغة الخيّام، فتنبجس من ذاكرة قلبه وليس من كتاب يقرأ منه يقرأها بهدوء فتومض عيناه بألق رمادي لاوجود له خارج عينيه... كأنه خيام آخر، زاهد هو آخر ولا يعرف الشعر خارج الخيام بلغته، قارئ نهم للخيام وسعدي وحافظ ومولوي، ومن شدة انحيازه للخيام فهو يحفظ الكثير الكثير من رباعياته، وكان يترجم لي تلك الرباعيات إلى العربية وأستمر متولهاً بالخيام سلوكا وشعرا وهو في عقده العاشر .. كم مرة أصغيتُ الى تلك الرباعيات، حتى استحال صوته قرطاً في إذني.. وشعرتُ .. كم من موسيقى الشعر، تتسرب منها أثناء الترجمة...؟! وبفضل ذلك الصوت الغالب ، أنشد انتباهي الى احتفاء الخيّام باللحظة الآنية ،أوما يسميه هايدجر بالموجود.. وهذا يعني ان عمر الخيام ليس مريضا بأوهام المستقبل ولا مرتهن بزمن ٍ نفسي يستعبد ذاكرته التذكارية.. هذا الانشغال بالحاضر.. وهبه مستقبلاً كان فيه من الزاهدين..