عقدت في مدينة الحلة، يوم الجمعة الماضية، على قاعة "ود"، محاضرة عن دور المثقف في العملية السياسية، حاضر فيها د.حيدر سعيد، وأدارها الناقد باقر جاسم، بحضور نخبة من المثقفين.
تمحورت المحاضرة على محاور متشعبة، كان المحور الرئيس فيها هو دور المثقف في العملية السياسية في بلادنا، لكون هذا الجانب لا يشكل هاجسا لمثقفنا العراقي في راهننا المعاصر بسبب عدم إتاحة الفرصة له لمناقشة تطور المجتمع، وإنشغاله في التفكير بتطور نتاجه الإبداعي دون الإلتفات الى موضوعة السياسة.
وأكد د.حيدر أنّ الحضور الثقافي هو الذي ينبغي أن يكون موجها للتطور الإجتماعي والسياسي للبلاد، وانّ انقطاع العراق منذ عام 1980 عن التواصل مع العالم ومتغيراته كان سببا في تراجع الدور السياسي للمثقف، فضلا عن الحروب التي خاضها العراق خلال الحقبة الماضية، وما سببت من تغيير في بنية المجتمع العراقي. كما ان الحصار الإقتصادي الذي تعرضت له البلاد أثر بشكل سلبي على دور المثقف.
وبعد تناوله للعوامل التي تسببت بتراجع الدور السياسي للمثقف، وما أفرزته من الإشكالات في البنية الإجتماعية، والتراكمات التي ساهمت بشكل واضح في تهميش دور المثقف وإبعاده عن الفاعلية في صنع القرار السياسي وتطور المجتمع، إنتقل المحاضر الى مناقشة الصورة التي كانت في رؤوس الأمريكان عن البنية الإجتماعية للعراق عند المباشرة بالاحتلال. إذ بيّن أن الأمريكان كانوا يحسبون العراق على صورته منذ عام 1978 فنازلا، ولا يمتلكون أي تصور عن الصورة الحالية لنسيجه الإجتماعي، مقارنا ذلك بما خطط له الإنكليز من التصور في بناء الدولة?العراقية عند احتلالهم العراق في عشرينيات القرن الماضي على أساس إطلاق مشروع الأمة العراقية، واقامة دولة العراق على اساس كونها عربية ومسلمة وسنية، ما تسبب في فشلهم في تشكيل الهوية العراقية، معزيا ذلك إلى اعتقادهم ان العراق العربي كان يشكل وحدة ثقافية منسجمة، فأبدى المحاضر معارضة رؤاه مع هذا التصور، وأضاف انه يرى ان النسيج الاجتماعي للعراق لا يمكن أن يكون أمة. لأنه يتألف من أطياف متعددة ليست ذات هوية واحدة، معلنا عن قناعته في فشل المشروعين البريطاني والأمريكي في رسم الهوية الحقيقية للعراق وتحديد معالمها، مبين? أن الأمريكان حين توصلوا الى ان العراق يجب ان يبنى على اساس انه ليس امة، بل مكونا متعدد الهويات، وعلى اساس الديمقراطية التوافقية المبنية على أركان (التمثيل النسبي، الفيتو المتبادل، والاستقلال الذاتي القطاعي ) ونسوا ان النخبة الشيعية لا تقبل بالنظام التعددي، وأنها تسعى جاهدة للهيمنة والتسلط.
بعد كل ذلك عرج على ما يسمى بالربيع العربي ونهاياته المأساوية بسبب عدم الإستفادة من فشل التجربة العراقية، مشيرا الى ان حدث عام 2003 في العراق يعد مفصليا وانه حتى اكثر أهمية من ثورة 14 تموز عام 1958 كونه غيّر هوية الدولة العراقية.
ثم دعا المحاضر الى تبني فكرة المواطنة من قبل المثقف أولا، والتخلص من أسر القوانين التاريخية والتبعية الى السياسة الأيديولوجية، والمساهمة في المحاولات الجارية لإعادة اكتشاف وظيفة المثقف لكي نكون فاعلين في العملية السياسية وفي انقاذ البلاد من مسلسل الأزمات التي تعيشها.
بعد ذلك شارك الحضور بالمداخلات والاسئلة التي أغنت المحاضرة.