ادب وفن

مؤنث الرواية العراقية / مقداد مسعود

ستكون وقفتي عند التلاقي/ التمازج الحضاري أو الصدمة الحضارية بين الشخوص والبلد الذي يقيمون فيه، نرى أن الرواية العراقية "النسوية" قد تجاوزت الاقتصار على البطل الرجل وجعلت البطولة مقاسمة بين الجنسين.. لا وجود لمحسن وحده كما الحال في رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم أو بطل رواية "الحي اللاتيني" لسهيل أدريس أو مصطفى سعيد بطل رواية "موسم الهجرة الى الشمال" أو منصور عبد السلام وكاترين وحدهما "الأشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف.. هؤلاء الابطال قصدوا أوربا للدراسات العليا، لكنهم انشغلوا بسواها: محسن حسب ادعائه كان منشغلا بعبادة الفن والصلاة في المتاحف ودار الاوبرا والمكتبات، كأنه ترك رجولته هناك في مصر وجاء باريس بروحه فقط!، بطل رواية سهيل ادريس تفرغ لجسد باريس دون روحها أو عقلها، وكذلك سيفعل مصطفى سعيد.
ثمة مسافة بين رواية الحكيم 1938 ورواية سهيل ادريس 1954 ومسافة أقصر بين الرواية الثانية والثالثة "موسم الهجرة..".
في رواية "قنديل أم هاشم" ليحيى حقيقي محاولة "مدرحية"، أعني محاولة للتمازج بين المادي/ الغرب والروحي/ الشرق، لكن العلاقة السوية الوحيدة هي العلاقة بين منصور عبد السلام والبلجيكية كاترين وهي حقا علاقة حب بعيدا عن شوائب العداء التاريخي أو الرضة الحضارية أو الشعور بالدونية، لكن ثمة هوة سحيقة بين عالمي كاترين ومنصور "الاشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف.
الرواية "النسوية" العراقية امتلكت علامات فارقة ايجابية فهي أولا لجأت الى خارج لأسباب سياسية أو مجاورة لهذه الأسباب، فالكاتبات العراقيات يحاولن ترميم الذاكرة/ الشخصية / العامة والجانب السيري فيها لا يدخل ضمن جنس السيرة الذاتية، بل ضمن السيرة الروائية، فنوع الثاني يستفيد من التجربة الذاتية ويعمد الى تحويرها/ تحريرها روائيا، خلافا لذلك كانت عصفور من الشرق/ الحي اللاتيني/ موسم الهجرة.. فهذه الروايات أشبه ما تكون من أدب الاعترافات، في حين ثمة روايات "رجالية" عراقية تحاول المواءمة بين الذاتي والعام منها: ليالي الانس في شارع أبي نؤاس للروائي برهان الخطيب/ ليلة الهدهد: ابراهيم أحمد.. خرائط الشتات/ للروائي محمد عبد حسن وغيرها.
الروائيات العراقيات حاولن تجسير العلاقة بين الوطن والمنفى/ المهجر/ ويتم التجسير سرديا وتبين فضائل المكان الآخر فساركوزي يوجه دعوة خاصة لعدد من "العراقيين المسيحيين اللاجئين.. طشاري/ انعام كجة جي.. وفي "النقط" الأبعد للروائية دنى طالب، العراقيون/ العراقيات في الدنمارك يتمتعون برعاية نفسانية من قبل طبيبة مختصة.. إذا العلاقة بين الغرب وبين العوائل العراقية ليست علاقة عداء أو علاقة دونية، بل محاولة جادة من الطرفين في تفعيل التمازج الحضاري.