ادب وفن

ما زال كامل شياع المثقف الناقد والتغييري والانعطافي ينبض بالحركة وبنسغ الحياة ./ فوزي الاتروشي

عرف كامل شياع انه يعمل في بيئة مليئة بالأسلاك الشائكة التي تحاسب أحيانا حتى على الأحلام والعواطف وأدرك حجم خطورة المشروع التنويري التجديدي الذي يحمله في مواجهة قوى الظلام والتكلس والتحجر. وكان واعيا إن طريقه حافل بالأشواك وانه يسبح ضد التيار ويحاول بالكلمة وبضوء الفكر ونقاء السريرة صد عاصفة الارتداد إلى الماضوية والتخلف. ورغم كل ذلك لم يتراجع ولم يتردد لحظة في أن يكون لبنة أعمار في بناء احتشدت عليه معاول التدمير .
ولم يكن الراحل ساذجاً أو مقدما على مغامرة غير محسوبة او مجرد هاوي للمخاطرات , بل كان في كل ذلك مثقفاً عضويا لا يؤمن الا بالكلمة القادرة على الحفر في ارض الواقع والفكرة النافذة الى العقول لتهيئتها للنهوض والتوثب, ولا يؤمن إلا بحب صادق وعميق ومخلص للوطن بعيدا عن الشعاراتية والخطب الرنانة والقصائد التي تتغنى بالوطن دون ان يكون لها فعل البناء المادي المحسوس .
كامل شياع قصة حب تتسلل لتوقظ فينا حتمية انتصار ثقافة التنوير على العتمة وحتمية تفوق المثقف على السياسي الأمي المنطوي على الذات، المنعزل في غرفة نومه التي لايدخلها الهواء الطلق .
لقد عاد إلينا كامل شياع أكثر من مرة بعد رحيله, في كل كلمات التأبين التي تتراكم على مر السنين وفي كل الخواطر التي سجلتها أقلام عشاقه على الورق, وفي صورة المثقف النموذجي الذي يرحل عاريا من كل ماديات ومتع الدنيا, ليبدأ رصيده المعنوي الاعتباري القيمي بعد الرحيل.
ونحن المثقفون العراقيون لا ننظر إلى كامل شياع كانسان وصديق فحسب, وإنما كبستان عامر بالثمر يتجدد كل موسم ويودع فينا دفقة أمل وباقة شموع تعيننا على المضي في النفق حتى ينتهي. ويهمنا إن نقول أن مكانه ما زال شاغرا, لأن تنوعه وتعدد اهتماماته الثقافية وحجم الهم الثقافي الذي كان يحمله مثّل مشروعا تنمويا لبناء وطن قادر على معانقة الحضارة. فكامل شياع لم يكن مجرد موظف إداري ولم يكن يتلون في المواقف او يتوارى عن الأنظار، حين كان عليه أن يتخذ موقفا واضحا وشجاعا وجديا. كان رجل الثقافة بامتياز وحين دخل السياسة مارسها بأخلاقيات الثقافة وقناديلها المشتعلة بالضوء, وهذا ما افزع الإرهابيين الذين لجـأوا لكواتم الصوت لخنق احد أكثر الأصوات حضورا فينا. فكان فعلهم بائسا وساذجا، والدليل أننا وبعد خمسة أعوام نستحضر كامل شياع في الذاكرة وهو أكثر اخضرارا وصوته يدق على الأجراس. انه بكل القياسات شهيد ما زال يقاوم.
وكيل وزارة الثقافة