ادب وفن

اللا مكان في عرض الفنانة ديما الصفدي / محمد عبد الوصي

من أرض الجولان أو ما يسمى بالهضبة السورية, حيث يقطن الناس هناك ويتحدثون اللغتين العربية والعبرية تحت الهيمنة الاسرائيلية عليها منذ عام 1967, برزت في الاونة الاخيرة فنانة تتميز بالاختلاف والجرأة هي ديما الصفدي التي قدمت لنا في عرضها الاخير مشروعها الفني محملا بتفاصيل المنحوتات القديمة لاشكال الالهة السورية ونصوص الإله بعل, مع امتدادات معاصرة ومتداخلة بنصوص الشاعر المعروف نزار قباني .
لا بد من الاشارة الى ان الدروز طائفة دينية باطنية توحيدية ابراهيمية تمزج مجموعة من العناصر الغنوصية، وأفلاطونية محدثة، وفيثاغورية ،وإسماعيلية، ويهودية، ومسيحية، وهندوسية، فضلاً عن فلسفات ومعتقدات أخرى، مما أدّى إلى خلق لاهوت عُرف في السرية والتفسير الباطني للكتب الدينية وتسليط الضوء على دور العقل والصدق, كما يؤمن الدروز بالظهور الإلهي، ويؤمنون بالتناسخ أو التقمص, وهي عبارة عن رجوع الروح إلى الحياة بجسد آخر هي فكرة فلسفية ودينية وعلمية مرتبطة بالجسد والروح والذات حسب المعتقدات الدرزية. من هنا نجد أن أهل الجولان لا يمتلكون هوية (لا اسرائيلية ولا سورية)بعد أن قاموا برفض الهوية سنة 1980,حيث إن أغلبية سكانها من الدروز , وهو ما يشكل خصوصية هذه المنطقة من حيث البعد السياسي والديني والثقافي .
قدمت الفنانة عرضا لصور وفيديو,وتعاملت مع المنجز البصري كذات فاعلة وحقيقية . هنا يأتي دور الفن لإنتاج أنساق وأشكال لما نحس به, حيث اشتغلت على موضوع الحدود الافتراضية بين تل أبيب وهضبة الجولان التي تسكنها , كما نلاحظ من خلال العرض ,كل القيم التي تحملها ( الدينية والاجتماعية والثقافية) في نص بصري واحد.
الفن الذي أنتجته الفنانة هو خطاب ثقافي يحمل كل الذاكرة الحية التي يعيشها الانسان في الجولان,الموت والاقصاء للشعب الساكن في الجولان ,اللا مكان ,ما تشعر به الفنانة , فقد قدمت نصوصا من قصائد باللغة العبرية وفيديو يتكلم بالعربية ويتحدث عن القضية التي تحملها بجانب الاسلاك والكتل الكونكريتية للحدود التي هي المشاهد اليومية التي تعيشها, بالاضافة الى ذلك, عرضت صورا فوتوغرافية مع اللغة , بحيث تحولت دلالة اللغة لتكون هنا بديلا عن الوظيفة الاولى التداولية, وتحولت الحروف إلى وظيفة أخرى بصرية غير كتابية, وهذا التحول مهم في الفن المعاصر, إذ تبدو إمكانية المزج بين الاشياء والمحاور اللغوية والبصرية جامعة لكل (المآسي والتاريخ, العرق, الدين, الثقافة, الاحتلال, الموت) أما الإحساس بالمكان فإنه مضطرب تماما , لدرجة انه اصبح مركز العرض لدى الفنانة في ضوء هذه المحاور. بحيث يمكن الاحساس بالارض بصفتها كائنا حيا يمكن ان نعيش معه كما قدمته الفنانة من خلال الفيديو والصور الخاصة بمشروعها.
الفن بصورة عامة هو المحصلة الحقيقية لما نشعر به ونقوله بكل قوة وببساطة ايضا , ليكون دوره بمثابة احتجاج ورفض الواقع المرئي الذي يعيشه المنتج للنص ,ولكن تقديمه من خلال ادوات الواقع نفسه, فالاشارات التي استخدمتها الفنانة تدل على صدق ماتعيشه , لقد كان منتجا يحمل خصوصية محلية وثقافية , وهذا هو مايشعر به المتلقي أمام الصور التي عرضت بعمق القضية وحقيقتها .