ادب وفن

كتاب نقدي للنص الابداعي العراقي / قراءة وتقديم : داود سلمان الشويلي

في ارض شبه قاحلة من الدراسات النقدية ، يأتي كتاب الناقد امجد نجم الزيدي (تمثلات ليليث – مقتربات نقدية في الشعر والسرد) ليعلن عن نفسه امام مرأى ومسمع الذائقة الشعرية والسردية والنقدية التي تضمهم سوية في دراسات نقدية لناقد شاب درج على ان يكتب الدراسة النقدية الناضجة والمبصرة في رؤيتها ، ويستل ما فيها من دروس يقدمها إلى المتلقي العراقي والعربي .
لقد فهم الناقد الزيدي النقد على انه عملية ابداعية ، وهذه العملية الابداعية هي كلام ابداعي على كلام ابداعي سبقه .
كتب الناقد الزيدي على الغلاف الثاني(( ان الكتابة النقدية هي عمل ابداعي يوازي العمل المنقود ، لكن العلاقة بينهما تبقى علاقة تابع بمتبوع (...) وهذا لا يعني ان النقد سيكون بديلا عن النص )).
انه احساس ابداعي يأتي بعد الكلام ولا يسبقه في عبارات وجمل ومقاطع مفيدة تشعر المتلقي بفائدة الكلام لو قرأناه دون ان تصادر ذائقة المتلقي في استجابتها لما قرأت .
اتساءل : هل الذي قلته الان هو كلام لم يبن على كلام سبقه؟
كلا ، ذلك لان الكلام ذاك جاء كرد فعل على ما قرئ ، وفهم ، و ادرك ، والذي قرئ هو كتاب ( تمثلات ليليث – مقاربات نقدية في الشعر والسرد ) وهذا الكتاب يعد كتابا نقديا للناقد امجد نجم الزيدي ، الذي جمع فيه كتاباته النقدية التي تناول فيها الشعر ، وكتاباته النقدية ايضا التي تناول فيها السرد.
وقد كثرت المقاربات النقدية التي تتناول النتاج الابداعي مهما كان بعيدا عن المناهج النقدية السياقية او النصية ، وما بعد النص ، لان الاخيرة هذه تحتاج الى دراسة واسعة لا تتحملها الصحافة اليومية او الاسبوعية ، ولا المجلات ذات الاختصاص، وارى انها تختص بدراسة ظاهرة معينة او كاتب معين ، ومن هذه المقاربات النقدية كالتناص مثلا ، والمقاربات التي استعملها الناقد الزيدي في دراسات كتابه هذا .
اول ما يصادفنا في المقدمة هو لماذا اختار الناقد لكتابه هذه التسمية ، " تمثلات ليليث" ؟ ربما يتساءل بعض القراء ممن يعرفون اسم ليليث.
يقول الناقد الزيدي في المقدمة : (( هو مأخوذ من اسطورة " ليليث " الشيطانة في الديانات والاساطير القديمة . او هي زوجة ادم كما في كتب اليهود (...) ولكن ما يرتبط بمقاربات هذا الكتاب هي الاسطورة البابلية التي تقول ان ليليث هي البغي المقدسة لإنانا. والالهة الام البابلية الكبرى (...) والتي تغوي الرجال في الطريق وتخطفهم من زوجاتهم وتقودهم الى معبد الالهة ، حيث كانت تقام هناك الاحتفالات المقدسة للخصوبة . وربما ما فعلته ليليث منذ ذلك الزمن السحيق هو ما يفعله معنا ومنذ زمن بعيد الادب ( شعرا كان ام نثرا ) اذ انه يخطفنا من عوائلنا )).
من هنا جاءت تسمية الكتاب متطابقة و فعل الشعر والسرد في المتلقي التي ناقشها الناقد امجد الزيدي في كتابه .
قسم الناقد كتابه الذي انتظم على مساحة 246 صفحة من القطع المتوسط الى قسمين ، القسم الاول ضم كتاباته النقدية عن الشعر ، وقد اصدره بمقدمة عن ( اللغة الشعرية باعتبارها كشفا) تحدث في هذه الدراسة عن قصيدة النثر ، ودراساته التي ضمها القسم الاول من هذا الكتاب .
(( تؤكد هذه المقاربة على قدرة اللغة الشعرية في التمرد على بنائها القاموسي الذي يرهن دلالاتها الى القراءة السطحية المباشرة ، والولوج الى الطبقات الداخلية للنص ، لكشف ما تخبئه ، من خلال تأويل للعلاقات التي تبنيها دلالاته)).ص 15
وهذه الدراسات هي :
1– الوحدات النصية وسياقات الجملة الشعرية. حيث يبين النقد في هذه الدراسة "ان شعرية النص لا تكمن في السياق الذي تبنيه الجملة الشعرية وانما من خلال تجميع الوحدات النصية وبناء علاقات افتراضية بينها من دون الوقوع في اسار السياق للجملة والنص ، وانما ببناء فضاء دلالي يعتمد العلاقات الاحالية لتلك الوحدات النصية " . ص 25
2 - سلطة النص والكينونة الانثوية المستلبة . درس فيه النص الشعري النسوي في العراق ، والذي اخفى ( كينونة انثوية مستلبة ) بين طياته ، بعدها كشف العلاقات الدلالية لتلك النصوص ، وقد كان ميدانه النقدي هو نصوص مختارة لشاعرات عراقيات .
3 - بنية الداخل بنية الخارج في النص الشعري .ان تداخل البنيتين او تخارجهما هو ما يدرسه الناقد في هذه الدراسة من خلال المجاميع الشعرية التالية : المجموعة الشعرية ( قصائد تلتفت الى امام ) للشاعر الطيب جبار ، والمجموعة الشعرية (فوضى المكان) لرسمية محيبس ، والمجموعة الشعرية للشاعر اديب كمال الدين (اربعون قصيدة عن الحرف).
4 - افق القراءة والعلاقات الاحالية للنص . درس فيه مجاميع ونصوص مختلفة مثل :المجموعة الشعرية ( هذا غبار دمي ) للشاعر حيدر عبد الخضر ، والمجموعة الشعرية ( ناطحات الخراب – محاولات في ايذاء النص ) للشاعر علي شبيب ، والمجموعة الشعرية ( جنوب المراثي ) للشاعر مسلم الطعان ، ونص ( اسيجة ) للشاعر رياض الغريب ، وبعض نصوص الشاعر باسم فرات من مجموعته الشعرية ( الى لغة الضوء )، وكذلك نص الشاعرة كولالة نوري ( كل خلايا الله ) ، ونص الشاعرة سهام جبار ( دمدمة).
5 - الانزياح عن الاطر التقليدية للنص الشعري . درس فيه نصوص الشعراء احمد الشطري ، والشاعر عارف الساعدي ، والشاعر علي حميد الشويلي .
و النص المفتوح كنص عابر للشعرية .درس فيه نص الشاعرين امير ناصر وعمار كشيش( تاريخ الماء والنساء).
والقسم الاخر من الكتاب ضم الكتابات النقدية عن السرد، وقد اصدره بمقدمة عن ( حركية الخطاب السردي ) ، في هذه الدراسة التي بدأ بها الناقد الحديث عن السرد ، فقد كان الناقد يقصد بحركية الخطاب هو :( بعض الاشتغالات التي يستعين بها الخطاب لتحريك بنية السرد في الرواية والقصة القصيرة ، كتشابكه مع التاريخ في بعض الروايات العراقية الحديثة ، ( ... ) وكذلك استفادة القصة القصيرة من الفنون المجاورة كالرسم مثلا . ) . ص 151 .
ثم قام الناقد بدراسة بعض المجاميع القصصية والروايات حسب المقتربات النقدية التي اختارها لذلك .
1 – التاريخ وحركية الخطاب السردي . درس فيه روايات علي بدر ( بابا سارتر) و ( صخب ونساء وكاتب مغمور ) ، ورواية ( عالم صدام حسين ) لمهدي حيدر ، ورواية ( السيد اصغر اكبر ) لمرتضى كزار ، ورواية ( طوفان صدقي ) لسعدي عوض الزيدي ، ورواية ( جنة العتاد ) لابراهيم سبتي ، وقد درس هذه الروايات من خلال مستويين الاول : مستوى الرواية – التاريخ . والثاني : مستوى التاريخ الرواية.
2- الخطاب السردي وموجهاته البنائية .في هذه الدراسة قدم الناقد الزيدي الموجهات البنائية لروايات مثل : (درب الحطابات) ورواية (حديث الاكف) للروائي حسين الهلالي .
3 – الفنطازية ولا عقلانية الواقع .قدم الناقد دراسته هذه من خلال رواية ( ليل معدني ) لموسى غافل الشطري.
4 – القصة القصيرة والرسم " مقاربة ابداعية " . درس العلاقة بين الرسم والقصة القصيرة من خلال نص ( اللوحة ) لوجدان عبد العزيز.
5 – ما وراء القص وبنية الايهام . درس الناقد بنية الايهام في القصة القصيرة من خلال المجموعة القصصية ( تجاعيد وجه الماء) للقاص نعيم آل مسافر .
6 – البنية السردية ومرجعيات النص . درس مرجعيات النص السردي من خلال نص ( اسرار الطائر الغريب ) للقاص سلام حربة ، ونص ( وساخات ادم ) للقاص علي السباعي .
7 – الفعل السردي وفضاءات النص . درس الناقد الزيدي فضاءات النص من خلال نص ( الستون ) للقاص محمد خضير، ونص ( شراع لمركب الخريف) للقاص محمود يعقوب .
8 – توازن البناء السردي في القصة القصيرة جدا . درس الناقد هذا التوازن السردي من خلال تجربة القاص فاهم وارد العفريت في مجموعته القصصية القصيرة جدا ( صور ونبضات).
ان الناقد امجد نجم الزيدي في كتابه النقدي هذا درس مجموعة من الظواهر الابداعية التي افرزتها القصة القصيرة والرواية والشعر في العراق ، واسس لذلك نهجا نقديا في دراسة هذه الفنون الابداعية.