- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 01 آب/أغسطس 2017 19:08
"تنابلة هارون" المجموعة القصصية الخامسة للقاص المبدع عبد علي اليوسفي ضمت 14 قصة قصيرة بتنويعات سردية متشكلة ضمن حدود التجربة واللون:"تنابلة هارون، انا غاتسبي، ردهة الضابط، حسناء الاذاعة، صفير الشجرة، حطب الذاكرة، الدوامة، حلم المدن، صديق الطيور، الرجوع للنخلة والنهر، مسودة الألم، الرائحة، ظلال الذاكرة، كسيناريو فيلم وثائقي".
والقصص مجتمعة ترصد ايقاع وتحولات الحياة العراقية، من خلال مراقبة عينات شخوص، واحداث تطفو باستمرار امام مشهد المواجهة والمراقبة البصرية، راكضة بظلالها الى النهايات التي نصف بها الاكتمال "كيف تنتهي القصص..؟" غير ان عين السارد تمسك بهذه الظلال لتحيل مشهديتها الى فعل قصصي مَوْجي متناوب التردد في مستويات التوليد.
ان التماثل الحكائي وتوازيات السرد، ملمح فني ترتكز عليه معظم قصص المجموعة في تشكيلاتها البنائية والاسلوبية. تماثل حكائي مع المنجز العالمي الجديد في فن القصة القصيرة حيث استثمار اللحظة اليومية المحملة بحكاية ما، حكاية لا تستطيل كثيرا، وانما تكتفي بما هو اشاري، بما هو ترميزي، بعيدا عن استهلالات الكانونية "من الفعل كان وتحولات استعماله للمفرد والمثنى والجمع" وبذلك تتشكل القصص "بنصوص نثرية" تحتمل اكثر من توصيف تجنيسي. ومثل هذا التماثل الحكائي يتعدى حدود الشكل احيانا الى دالة الموضوع وفكرة القص. كما في قصة "الرائحة" التي تمت باكثر من صلة الى رواية العطر لـ باتريك زوسكيند. "ثمة سر غريب يوثقني بالرائحة. عطر ما يدخل ارنبة انفي مع النسيمات التي تهب فجأة في المكان الذي انا فيه، فيغزو مخيلتي، ويحرك ذاكرتي، فتجدني عائدا الى محطة من محطاتي التي غادرتها منذ سنين. الرائحة احيانا ترميني في محطة لم تعشها النفس، لكني انغمس بعلاقات متشعبة في الازقة والدروب الضيقة للحارات المظلمة".
ومثلما تهيمن مفردة العطر، في كل صفحة من صفحات رواية العطر، فان مفردتي الرائحة والعطر تهيمنان كذلك في فقرات قصة الرائحة، وللّاشعور فعله الكامن في العقل الباطن، وكثيرا ما يفاتح الذاكرة في لحظة استغراق سردي او غير سردي.
في توازيات السرد تكون قصة "تنابلة هارون" بالاضافة الى تفعيل الحكاية المعروفة عن التنابلة وطعامهم، فان سرد حدثين - بفاصلات الخطوط المستقيمة الافقية – في الوقت ذاته، من اهم ما توافرت عليه، هو هذا التشكيل الثنائي المتوازي الذي منحها جمالية، ان تكون قصتين في قصة واحدة.
ان تشكيل التوازي حتى وان كان تقنية مستخدمة سابقا في السردية القصصية العراقية "محمد خضير في مجموعة، في درجة 45 مئوي، مثلا". الا ان القاص في هذه القصة "تنابلة هارون" قد استعاد الشكل كضرورة املتها الحاجات القصصية والشكل تأسيس اولي، ينمو ويتطور باتجاه التصعيد.
القاص، في هذه المجموعة يكون قد اوجد خطاً بيانياً متصاعدا في ترتيب وعيه السردي، حيث التنوع الاسلوبي فبالإضافة الى التماثل والتوازي، يكون المناخ العام مناخا لا يشعر بالاختناق، الاختناق الذي يتأتى من تشابه المرويات، فالقاص يعود بالمدينة الى القرية، والقرية الى المدينة، حيث ينشط فعل الذاكرة "ظلال الذاكرة، حطب الذاكرة" وتأسيسا على هذا الملمح فان الذاكرة تستعيد واقعة الحرب "ردهة الضابط" واقعة مستمرة في تخريب الجسد (نظرت الى نعليه وبسطاله تحت السرير..". قلت مع نفسي:"لن يحتاج الاحذية في تجواله القادم".
ان هذه القصة عن الحرب لا في الحرب فالمشهد يعلن عن صورته في ردهة، بعيدا عن خط التماس، لتكون الردهة ساحة اخرى للمقاومة الجسدية/ الروحية، لا مقاومة الحرب. وفي مفتتح آخر وفي اكثر من قصة، يكون القاص وليس السارد باحثا عن امرأة ما، امرأة مطاردة باستمرار، حتى وان تراود احيانا بالمصادفة، والتحليل النفسي عادة ما يصع توصيفاته في هذا المجال.
تنابلة هارون.. في تماثلها وتوازيها وواقعي اشتغالاتها تمنحنا المسرات السردية، وتشير الى ان القاص يتقدم بخطوات اوسع في مساحة واسعة، ليحجز ركنه الخاص في هذه المساحة.