مدارات

شهادات في الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي : المناضل صالح الحلفي (أبو سلام) / حاوره: محمد الكحط

المناضل صالح الحلفي (أبو سلام) عاصر فترة طويلة من الحياة السياسية العراقية منذ بزوغ ربيع الحركة الثورية ربيع 1934وبالذات ضمن نشاطه النقابي وسط الطبقة العاملة العراقية، وكان في محطات عديدة من عمره قريبا من مسيرة الحزب الشيوعي العراقي، ويملك تاريخا نضاليا غنيا. كان لنا هذا اللقاء للحديث عن هذه المسيرة الطويلة.
متى تعرفت على نشاطات الحزب الشيوعي العراقي، في أي مرحلة من حياتك ؟
وكيف كان ذلك ؟

إن كان لابد من الحديث عن التاريخ بعيدا عن الذاتية وإبراز دور طليعة الطبقة العاملة العراقية ممثلة بحزبها الطليعي حيث دور الفرد مهما عظم كمثل قطرة بحر متلاطم الأمواج، فيما عدا الشخصيات المؤثرة بمجرى أحداث التاريخ والتي تركت بصماتها عن تطورات، لذلك لابد لي من الإشارة الى كوني وليد عائلة عمالية من بناة الميناء وليس الموانئ حيث في حينها لم يكن هناك الا ميناء المعقل، عائلة بالكامل من الأعمام وأبنائهم تعمل بالميناء عند إنشائه وتسكن بمنطقة المعقل عند بداية إنشائه حيث تتواجد الطبقة العاملة في ?سفن الميناء البحري بالجبيلة، إضافة لقسم غير كبير في محطة كهرباء الجبيلة المخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية لمنطقة الميناء والمعقل، ومن عائلتنا برز ابن عمي المناضل النقابي المعروف سكرتير نقابة الميناء وسكرتير اتحاد نقابات البصرة في العهد الجمهوري جاسم حسن الحلفي الذي عاصر الرفيق فهد في سجن الكوت ومن تجربته وتجربة سجنه تعرفت على الحزب الشيوعي العراقي إضافة لتعرفي على نخبة ثورية من عمال الميناء في مسفن الميناء، حيث كنت قد عينت كعامل فني متدرب انا والشهيد كريم الشذر سويا في المسفن في عام 1952 وانذاك كان عمري 15 عاما، اي في أوج مرحلة الصبا والاندفاع، ومن خلال العلاقة الوطيدة والالتقاء اليومي مع النخبة الطيبة من عمال المسفن أمثال الشهيد الخالد صمد وادي وأحمد علي هيلك وغيره، تعرفت أكثر على الحزب. وعند حصول إضراب عمال الميناء في سنة 1952 في الشهر الثامن كنت مشاركا فيه برغم عمري الصغير الذي استمر 3 أيام، وبمشاركة ما لا يقل عن 3200 عامل في موقع تجمع العمال المضربين مقابل المديرية العامة للميناء، ففي بداية انطلاق الإضراب تم إيقاف عمل مولدات الكهرباء التي تزود الطاقة الكهربائية لمنطقة المعقل والميناء، وفي إثناء المفاوضات مع إدارة الميناء البريطانية وبمشاركة وفد من بغداد يرأسه سعيد قزاز على ما اذكر، لوحظ عودة الكهرباء لمبنى مديرية الميناء من خلال النوافذ ما دفع جماهير العمال بمواجهة التحدي بالزحف نحو مبنى محطة الكهرباء لغرض إيقاف المحطة مرة أخرى وعند الوصول إلى جسر الرميلي فوق نهر صغير متفرع من شط العرب، الذي يبعد مسافة 700 متر عن المسفن ومحطة الكهرباء انهمر الرصاص الحي من قبل الشرطة بقيادة المفوض حبيب أبو سامي ومن معه، حيث سقط عدد من شهداء الحركة النقابية، مع الأسف لا تحضرني أسماء تلك الكوكبة اللامعة من عمال الميناء ?انت هذه بداية تعريفي على الحزب، ومن خلال العائلة المرتبطة فكريا وتنظيميا بالحزب وبسبب من نشاطه ومساندته للإضراب وقيامه بحشد جماهير الشعب لمساندة عمال الميناء، وتعزز أيماني بالحزب وأفكاره لاحقاً من خلال المواجهة مع المسفن البريطانية أيام أحداث العدوان الثلاثي على مصر عام 56 ولذا قاموا بنقلي إلى معمل إنتاج الرافعات في الأرصفة، الذي يديره المهندس صدوان ابن أخت نوري السعيد الذي أخذ بمحاربتي والتضييق عليّ منذ الساعة الأولى لالتحاقي بالعمل، على أمل دفعي الى ترك العمل. مع العلم اني قمت بحمايته في يوم ثورة الرابع عشر من تموز من بطش العمال به وبقى يتذكر ذلك الموقف لفترة طويلة. بدأ نشاطنا أنا وعبد الرزاق نوح بتحريض عمال الرافعات على الإضراب ورفع المطالب المشروعة الا إننا لم نفلح بذلك بسبب شدة القمع والإرهاب آنذاك.
كيف وجدت طريقك إلى الحزب ؟

في عام 1957اثناء الاحتفال بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر في بيت احد الرفاق من عمال الميناء رشحت للحزب وأنا في معمل إنتاج الرافعات بدرجة عامل فني درجة أولى، حيث كنت الرجل الثالث في المعمل بعد المسؤول الإداري والفني من ناحية الدراسة والقابلية الفنية بالعمل، وكسبت الكثير من العمال الفنيين للحزب، وكسبت ثقة العمال الكبيرة وثقتهم بنا نحن الشيوعيين.
واستمرت فترة العمل السياسي والنضال في سبيل الشعب حيث توجت بقيام ثورة الشعب في 14 تموز، عندها بدأت مرحلة جديدة من العمل النضالي والسياسي عبر تشكيل الهيئة المؤسسة لنقابة الموانئ، حيث ضمت القادة النقابيين محسن ملا علي، جاسم حسن عبد الحسن جبار، وغيرهم من المشهود لهم بالتاريخ النضالي الناصع وكنت احد أعضاء تلك الهيئة، وبعد عدة جلسات تم تقديم النظام الداخلي للنقابة التي أجيزت رسميا حيث تم تشكيل هيئة تحضيرية ومن ثم انعقاد المؤتمر الأول لنقابة المواني، وانتخبت عضوا في اللجنة النقابية لمعمل إنتاج الرافعات، وباشرنا ومن خلال النقابة بتقديم كل الخدمات للعمال، وبفخر اذكر أنني وضعت مصلحة العمال فوق كل الاعتبارات. وللتاريخ أذكر أنني ومن خلال النقابة استطعت الحصول لكافة منتسبي معمل إنتاج الرافعات درجة واحدة في الترقية الوظيفية مع زيادة الراتب حسب استحقاقهم لذلك، والوحيد الذي لم يتم ترفيعه هو أنا شخصيا مما حدا برئيس المهندسين علاء الدين البحراني إلى الاستغراب، لذلك حيث أبلغته بأننا نعمل أولا للعمال دون مصلحتنا الذاتية قام هو بترشيحي لبعثة في بريطانيا من الموانئ العراقية، حيث تحولت تلك البعثة لمساومة كبرى لاحقا بيني وبين المدير العام للمواني اللواء الركن مزهر الشاوي، اذا كانت مطالبته بترك الحزب وإعلان البراءة للالتحاق بتلك البعثة وذهبت ضغوطات المدير العام هباءا بسبب إصراري على التمسك بحزبي والمبادئ التي آمنت بها، إلا انه استمر بالضغط على والدي الذي كان يعمل رئيسا للعمال في مسفن الميناء الذي طردني من البيت وغيرها من الضغوط . وأخيرا جاء كتاب فصلي من الموانئ بالشهر الخامس من عام 1961 لأسباب سياسية صريحة وواضحة، وكنت أول من يتم فصله من العمل في أرصفة الموانئ، ومما جاء بكتاب الفصل (نظرا لحزبيتك الضيقة وغير المجازة قانونا وبثك روح ال?غب والفوضى بين العمال وفي إثناء الدوام الرسمي تقرر الاستغناء عن خدماتك اعتبارا من يومها)، وتم نشر كتاب الفصل هذا في حينها بجريدة اتحاد نقابات العمال في بغداد. استطعت العمل في مشروع سايلو البصرة، فكنا مجموعة كبيرة من الرفاق المفصولين من الموانئ والنفط والسكك، أذكر منهم النقابي جنجون حسين، عزيز حميد وآخرين لا تسعفني الذاكرة لتذكر أسمائهم.
واستمر نشاطي الحزبي من خلال اللجنة العمالية التي يقودها الفقيد الرفيق أبو زكي حميد بخش (ابو زكي)من ثم اللجنة الوطنية لمنطقة المعقل والجمهورية.
ما هيّ الذكريات التي تحملها عن تلك الفترة خلال نضالك داخل صفوف الحزب...؟

من الذكريات، تم زواجي في اليوم الأول من سنة 1959 وان الرفيق حميد بخش، بعث يطلبني في الليلة الثانية لزواجي لأجل القيام بالحراسة لصيانة الجمهورية من المؤامرات التي تحاك ضدها انذاك.
ومن الذكريات التي لا زلت أعتز بها هو أنني عندما كنت عضوا باللجنة الحزبية الوطنية لمنطقة المعقل والجمهورية عام 1961 وكان مسوؤلها الرفيق الأستاذ حامد، وعند ترحيله جاء قرار الحزب ان أكون أنا مسؤول الهيئة التي كانت تضم أساتذة، بعضهم من الذين كانوا يدرسونني بالثانوية المسائية فكان ذلك القرار محرجا لي الا إنهم رحبوا بذلك القرار وشجعوني على تحمل المسؤولية كوني عاملاً ومناضلاً شيوعياً. تلك كانت أخلاق عالية والتزام كبير بما يقرره الحزب.
من الذكريات أنني عملت بساحات العمل الحزبي في البصرة وبغداد والكويت وليبيا، حياة حزبية متجردة تماما من الذاتية ورافعا مصلحة الحزب فوق أي اعتبارات عائلية وشخصية وهناك من الذكريات ما يمثل فخرا لكل رفيق آثر مصلحة الحزب والشعب وتحلى بالقيم والأخلاق الرفيعة، كنا نتمسك بمقولة ان يكون الشيوعي أصدق الناس وأكثر الناس أمانة، حتى كانت تنمو بقناعاتنا ان نكون كمن يحلف الناس برأس ذلك الشيوعي للأوصاف المذكورة اعلاه.
للحزب تأثير مشهود على الحركة النقابية بشكل عام، كيف تقيم هذا الدور؟

من المعروف بعد خيانة أحزاب الأممية الثانية لجماهير الطبقة العاملة ووقوفها لجانب الحرب العدوانية خلافا للموقف الأممي، أولت الحركة الشيوعية العالمية اهتماما بقضايا الطبقة العاملة عالميا، فتبنت أحزاب الأممية الثالثة دعم نضال الطبقة العاملة ودحر العدوان ونصرة الشعوب وقضاياها العادلة في التحرر والسلام . وموقف الحزب الشيوعي العراقي استند للنظرية العلمية فوقف الى جانب حقوق طبقتنا العاملة وحقوقها العادلة ضد الهيمنة الاستعمارية، للحزب منذ الخمسينات نشاط ملحوظ لتعظيم دور النقابات العمالية، وقد ساعد فكر الحزب على دفع وعي العمال أكثر بتبني حقوقهم وتأسيس نقاباتهم وقد كان الحزب بمختلف مراحل الكفاح البطولي بوصلة هادية للطبقة العاملة بكافة مراكز تجمعاتها. وما قيادة الحزب لإضرابات السكك والميناء والنفط بالبصرة وكركوك، إضافة لإضرابات عمل السكائر، الا دليل ناصع على ما اقول وهناك الكثير من أسماء القادة النقابين الذين برزوا بساحات النضال على سبيل المثال، وليس الحصر، من البصرة علي شعبان وناصر عبود وهادي طعين، وفي بغداد استطيع تذكر كليبان صالح، صادق الفلاحي وعبد القادر العياش.

كيف تجد علاقة صحافة الحزب الشيوعي مع الحركة النقابية؟

صحافة الحزب كانت بمثابة المشعل الهادي الذي ينير الطريق لحركتنا النقابية في مختلف الأوقات، فكانت تلك الصحافة وبأشخاص القادة المجربين خير من يوجه نضال طبقتنا ويوضح لها أسلم الطرق لنيل حقوقها المهضومة وما مسيرة صحيفة اتحاد العمال بالعهد الملكي والعهد الجمهوري إلا دليل على ذلك.
فكانت يتصدرها شعار وحدة الطبقة العاملة كأقوى وسيلة كفاحية لنيل حقوقها وكانت صحافة الحزب تناضل في سبيل الحق بتشكيل النقابات العمالية وتحديد ساعات العمل وضد الفصل الكيفي والتعسف.
- كلمة في الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي تعبر فيها عن هذه المسيرة وآفاق المستقبل...
انها لمناسبة عزيزة على قلوبنا جميعا ونحن نطوي العمر المكلل بغار الانتماء للحزب الذي ربى الكثيرين منا على الوطنية الحقة الصادقة وأنه لشئ مفرح أن نتواصل مع ذكرى ميلاد الحزب الثمانين وحزبنا أشد عودا على مواجهة بناء مهمات الدولة المدنية الديمقراطية.
وبهذه المناسبة بودي أن أحيي ذكرى شهداء الحزب الذين ضحوا بحياتهم في سبيل أن تبقى راية الحزب خفاقة في سماء بلدنا.
تحية لأولئك الرفاق الذين عاصرناهم وتعلمنا منهم وكانوا خير ملهم لجيلنا والاجيال اللاحقة.
تحية لكل عوائلنا التي عانت الحرمان والخوف والتشرد.
تحية للحزب والى مزيد من الانتصارات في سبيل وطن حر وشعب سعيد، هذا الشعار والهدف الأسمى لحزبنا على مر الزمان.