مدارات

كاور باغي.. ملحمة وطنية عمالية لا تنسى

طريق الشعب
كان أروع نضال نقابي قامت به الطبقة العاملة العراقية الفتية، هو إضراب عمال النفط في كركوك منذ أول تموز 1946 واستمر 13 يوما، وقد امتاز هذا الإضراب بالتظاهرات وبالاجتماعات اليومية التي كان يعقدها العمال في عصر كل يوم في ساحة بستان كاورباغي التي اشتهرت بسبب هذا الإضراب والمجزرة التي ارتكبت فيه في 12 تموز. وكانت جموع العمال وجموع أخرى من جماهير كركوك تحضر الاجتماعات يوميا، وكانت الخطابات تلقى بمختلف لغات ابناء شعبنا.
وفي 12 تموز ذهبت الشرطة وبدون سابق إنذار إلى العمال المضربين والمجتمعين في ساحة كاورباغي فوجهت نيران رشاشاتها وبنادقها وارتكبت مجزرة غادرة هزت ضمير الشعب العراقي والرأي العام الديمقراطي في العالم وقد صرع بالرصاص 16 شهيدا ووقع عشرات الجرحى بنيران قوات البوليس دفاعا عن جشع الشركة الاستعمارية الاحتكارية الأجنبية وتنكيلا بالشعب العراقي.
لقد برهنت الطبقة العاملة العراقية في إضراب عمال النفط في كركوك على روحها الثورية التي لا تقهر، وقد باءت المجزرة التي أريد بها كسر معنوية العمال وأريق فيها سيل من الدماء بالفشل الذريع، فبدلا من ان يعود العمال الى العمل، نظم العمال في اليوم الثاني 13 تموز إضراباً سياسيا عاما في كركوك، حملوا شهداءهم على الأكتاف وساروا في تظاهرة جبارة ارتاع لها الاستعماريين وخدمهم الرجعيين، وقبعوا في جحورهم خاسئين دون ان يجرأوا على إخراج رؤوسهم. وكان حرس الإضراب مسيطرا على الشرطة في مدينة كركوك منذ اليوم الثالث من الإضراب وفي 13 تموز اختفت الشرطة تماما من الشوارع ولم يجرؤ على الخروج من قوات الحكومة سوى جنود الجيش الذين كانوا يهزجون (يهوسون) ويهتفون مع العمال بسقوط الحكومة ألفاسدة.
وكانت هذه الروح المعنوية العالية لها وقع على الحركة الوطنية جمعاء، فالتفت حول العمال في جبهة واحدة متراصة أرعبت أعداءها واحتج الشعب العراقي على الجلادين وجرائمهم الشنعاء مما اضطرهم الى إجراء التحقيق وفضح المسؤولين الصغار كالمتصرف ومدير الشرطة، حفظا لسمعة المجرمين المسؤولين الكبار.
وقد لعبت النساء دورا باسلا في إضراب عمال النفط وفي التظاهرات خلال أيام الإضراب وهو ما سجل للمرأة العراقية بفخر واعتزاز. ان إضراب عمال النفط، بتنظيمهم الحديدي المتين، وتوحيدهم عمال مختلف القوميات على اختلاف عقائدهم، ودحر جميع مناورات الشركة والسلطات التي في خدمتها، وبالتظاهرات التي تخللته وبطرق وأساليب التحضير المرنة التي سبقته وهيأت لنجاحه وبخاتمته البطولية، أنما هو درس كامل يستحق دراسة مستفيضة بتثقيف العمال النقابيين. ومن الجدير بالتنويه ان لجنة الإضراب اهتمت مقدما بالمطالب الخاصة لكل قسم من العمال. فمثلا كانت أهم مشكلة تهم عمال قرية (تسعين) البعيدة عن محلات العمل هي قضية النقل بالسيارات اذ كان العمال يقطعون في الذهاب والإياب ساعتين أو أكثر مشيا على الأقدام، فكان مطلب تخصيص سيارات من الشركة لنقلهم ذا أهمية كبيرة لعمال النفط، وكان على رأس مطالب الإضراب لكن العمال لم يفوزوا بهذا المطلب. أن الشركة الاستعمارية وخدمها من الحكام يتشددون في هذا المطلب أكثر من تشددهم في أي مطلب آخر، لان تنظيم العمال في مثل هذه المشاريع الاحتكارية أقوى سلاح ضد الاستغلال الاستعماري ونهب خيرات بلدنا وكنوزه الثمينة. وفيما يلي وثيقة بانتصار عمال كاورباغي وقضيتهم أصدرها القضاء العراقي