مدارات

بعد 43 عاما من العضوية.. بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي

عواصم - وكالات
صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في قرار تاريخي، ستكون له تداعيات على الاتحاد نفسه وعلى السياسة البريطانية الداخلية، وذلك بعد 43 عاماً من العضوية، التي اكتسبتها عام 1973.
وصوت 51,9 في المئة من الناخبين البريطانيين لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد، مقابل 48,1 في المئة عبروا عن تأييدهم للبقاء فيه، وفق النتائج النهائية التي أعلنتها اللجنة الانتخابية أول امس الجمعة.
استقالة كامرون
وعلى رغم أن رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كامرون أعلن استقالته بعد بضع ساعات على إعلان نتيجة الاستفتاء، لكنه أشار إلى أنه سيظل في منصبه حتى تعيين زعيم جديد لحزب المحافظين في تشرين الأول. كما أضاف انه سيترك إلى خلفه مهمة التفاوض حول عملية خروج البلاد مع الاتحاد الأوروبي.
وانتقد رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز بشدة كامرون، واصفاً قرار استقالته في تشرين الأول المقبل وليس غداة الاستفتاء بـ"المخزي".
وعكست عناوين الصحف البريطانية، امس، الاختلافات بين آراء الناخبين.
ويخشى أن يحدث قرار البريطانيين حالة من العدوى في أوروبا في ظل تنامي الحركات "الشعبوية" واتفاقها على توجيه الانتقادات لبروكسيل والمؤسسات الأوروبية.
ويفترض أن تبدأ بريطانيا عملية تفاوض قد تستمر سنتين مع الاتحاد الأوروبي حول شروط الخروج، وفي هذه الاثناء تبقى ملتزمة بالاتفاقات المبرمة، لكن قادة المؤسسات الأوروبية حثوا لندن منذ أمس على البدء في أسرع وقت بهذه المفاوضات معلنين استعدادهم لذلك.
وفي بريطانيا، تطرح استقالة كامرون تكهنات حول خليفته بعدما دار الحديث عن تطلع زعيم حملة الخروج المحافظ بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق للمنصب، في حين يجب إعادة توحيد الحزب والبلاد المنقسمين.
"حكومة خروج"
من ناحية أخرى، طالب زعيم حزب الاستقلال البريطاني (يوكيب)، نايجل فاراج، أمس الأول الجمعة، بتشكيل "حكومة خروج من الاتحاد الأوروبي" أو "حكومة بريكسيت" بعد تأييد البريطانيين لهذه الخطوة.
وصرح فاراج، الذي قاد حملة معادية بشدة لأوروبا في مواجهة رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، المؤيد للبقاء: "نحن بحاجة الآن إلى حكومة خروج"، كما قالت رئيسة وزراء اسكتلندا إن بلادها ترى مستقبلها داخل الاتحاد.
تداعيات الخروج
حدد جيريمي باروش في صحيفة لوموند الفرنسية سلسلة من التداعيات الآنية والمستقبلية لقرار البريطانيين بالتصويت لصالح "البركزيت".
المحرّك الحقيقي للاتحاد الأوروبي خصوصاً على الصعيد الإقتصادي، هو لعبة تأثير بين ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. من دون هذه الأخيرة، ستجد برلين نفسها في مواجهة باريس من دون ثقل موازن معاكس.وان إتفاق المواقف بين فرنسا وألمانيا سيصبح أكثر ضرورة – وستجد باريس تأثيرها أكثر فاعليّة.
تأشيرة إلى بريطانيا
بحسب النماذج المتفاوض عليها بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يكون هنالك ضرورة لاستخدام تأشيرة المرور. لكن إذا استطاعت المملكة التوصل إلى التفاوض حول اتفاق يسمح لها بالبقاء في السوق الأوروبية المشتركة، فإنّه يحتمل جداً أن تكتسب حقّ حرية تنقل الأفراد. لكن يحتمل أيضاً أن تقوم الحكومة البريطانية بفرض قيود تتعلق بإجازة العمل. وبما أنّ المعاملة بالمثل قد تطبق على الأرجح، سيكون الأوروبيون والبريطانيون بحاجة إلى تأشيرة المرور للعمل في أوروبا والمملكة.
هل يتأثّر الطلّاب؟
الطلاب البريطانيون الذين تزداد أعداد المهاجرين منهم لإكمال الدراسة في أوروبا، سيكونون الأكثر تأثراً لأنه سيصعب عليهم التنقّل من دون الخضوع إلى مشروع إيراسموس. وعلى الرغم من ذلك، يمكن التوصّل إلى اتفاق كما هو الحال مع سويسرا والنرويج – لكنّ الأمر سيستغرق وقتاً. وان تمويل الأبحاث الذي يترافق مع إيراسموس سيتأثر هو أيضاً بشكل متساوِ.
لغة العمل الرسمية
ستبقى الإنكليزية لغة العمل الرسمية داخل الاتحاد الأوروبي، وسيظل ناطقاً بها حوالي 38 في المئة من الأوروبيين الذين لا تشكّل تلك اللغة بالنسبة إليهم لغتهم الأم، ما يجعلها اللغة الأكثر نطقاً بها، بحسب تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية سنة 2012.
احتمال انفصال اسكتلندا
في مناسبات عدّة سابقة، أكّدت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستيرجون إرادتها تنظيم استفتاء جديد في حال قرّر البريطانيون التصويت لصالح البركزيت. وقالت في إحدى المرّات: "سيكون غير ديمقراطيّ بشكل جوهري أن تجد اسكتلندا نفسها خارج الاتحاد الأوروبي، لو صوّتنا لصالح البقاء فيه خلال الاستفتاء".
المشاريع المموّلة من الاتحاد
تستفيد المملكة المتحدة من مشاريع مموّلة أوروبياً بملياراتٍ من اليورو. وخروجها من الاتحاد هو مخاطرة وصول تلك الإستفادة إلى نهاياتها.
التفاوض حول التبادل الحر
يؤكد باروش ضرورة إعادة التفاوض بشأن اتفاقات تبادل اقتصادية مع الإتحاد وبوجود إمكانية الاستناد إلى أمثلة سابقة عدّة:
أ-الخيار النرويجي
النرويج جزء من المنطقة الإقتصادية الأوروبية وتستفيد بالكامل من الوصول إلى السوق المشتركة. بالمقابل عليها الالتزام بمعظم قوانين الإتحاد، من بينها حرية تنقل الأفراد والبضائع، وتساهم أيضاً في الموازنة الأوروبية. من جهة أخرى، لا تستفيد النرويج من حوالي 50 اتفاقية مختلفة تتعلّق بالتبادل الحرّ مع الإتحاد، لكنْ مع كونها عضواً في الجمعية الأوروبية للتبادل الحر، يمكن أن تفاوض حول اتفاقاتها التجارية الخاصة.
ب- الخيار السويسري
سويسرا كالنرويج جزء من الجمعية الأوروبية للتبادل الحر، لكن خلافاً للثانية، استطاعت الأولى التفاوض بشأن اتفاقاتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي. تساهم سويسرا أيضاً في الموازنة الأوروبية وتخضع إلى شروط التنقل الحر للأفراد والبضائع. بعض صناعاتها، بما فيها تلك المصرفية، يخضع دخولها إلى الاتحاد لقيود عدّة. لكنّ سويسرا حرّة بالتفاوض حول اتفاقات ثنائية مع دول ثالثة.
ج- الخيار الكندي
الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة تنص على رفع التعريفات الجمركية عن العديد من المنتجات، إستيراداً وتصديراً، بين كندا والإتحاد الأوروبي. استغرقت المفاوضات أكثر من سبع سنوات ولم يوقّع الاتفاق بعد. هذا الخيار لن يضع المملكة في موقف قوي بل فقط 6 في المئة من البضائع تصدّر إلى المملكة، كما أنّ الاتفاقية لا تضمن إزالة التعريفة الجمركية عن الخدمات.
د- خيار منظمة التجارة العالمية
في فترة الانتظار، يشير باروش إلى أنّ على المملكة اللجوء إلى القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، التي تتضمن حواجز جمركية. مهما يكن الاتفاق الذي سيتم التوقيع عليه، هنالك احتمالات مرتفعة في أن تستغل عدّة دول في الإتحاد الفرصة لإضعاف أحد المجالات الإقتصادية التي برعت فيها المملكة.
اللاجئون في كاليه
وحذّر وزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن "البركزيت" سيؤدي إلى عدم فرض البقاء على اللاجئين في كاليه. وينقل باروش أنّ هناك الآلاف من اللاجئين والمهاجرين الذين يجدون أنفسهم محتجزين هناك، منتظرين وصولاً مفترضاً إلى أراضي المملكة.
استقلال مقاطعة لندن
دعت عريضة وقعها أكثر من350 ألف شخص إلى إجراء استفتاء جديد بينما طالبت عريضة أخرى وقعها 90 ألف شخص باستقلال مقاطعة لندن وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وتنص العريضة على "إعلان لندن مستقلة عن المملكة المتحدة وطلب الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي". وصوت 60 في المئة من سكان لندن مع البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، في حين صوت البريطانيون بغالبية تصل إلى 52 في المئة مع الخروج في استفتاء الخميس الفائت.
وأكدت الوثيقة الموجودة على موقع "تشانج دوت اورغ" أن "لندن مدينة دولية ونريدها أن تبقى في قلب اوروبا. دعونا نكون واقعيين - سائر البلاد تختلف معنا. وبدلاً من التصويت في شكل عدائي أحدنا ضد الآخر في كل انتخابات، دعونا نجعل الانفصال رسمياً وننتقل إلى جانب اصدقائنا في القارة. هذه العريضة تدعو رئيس البلدية صادق خان إلى إعلان لندن مستقلة وتقديم طلب للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي".
وأصدر صادق خان بياناً حول مفاوضات الانفصال قال فيه إنه "من المهم أن يكون للندن صوت خلال إعادة المفاوضات إلى جانب اسكتلندا وشمال ايرلندا. على رغم أننا سنكون خارج الاتحاد الاوروبي، من المهم ان نبقى جزءاً من السوق الموحدة".
واضاف أنه «سيكون من الخطأ الخروج من السوق الموحدة التي تضم 500 مليون شخص مع مزايا التجارة الحرة التي توفرها. سأضغط على الحكومة من أجل أن يكون ذلك حجر الزاوية في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي».
وسرعان ما أنشئ على «تويتر» وسم «لندن تبقى» عبر مستخدموه عن رغبتهم في استقلال لندن واسكتلندا وبتوحيد ايرلندا. وصوتت الغالبية في اسكتلندا وشمال ايرلندا من أجل البقاء في الاتحاد.
قادة أوروبا يجتمعون
من المفترض ان يكون وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي، اعقدوا اجتماعاً امس، في برلين للتباحث في تبعات القرار التاريخي للبريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأشار وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، أمس الاول الجمعة إلى أن نظراءه في الدول الست المؤسسة للاتحاد سيعقدون اجتماعاً اليوم (امس) في برلين.
ويستقبل شتاينماير نظراءه الفرنسي جان مارك ايرلوت والهولندي بيرت كوندرز والإيطالي باولو جنتيلي والبلجيكي ديدييه ريندرز واللوكسمبورغي جان اسلهورن لـ "التباحث في قضايا الساعة في السياسة الأوروبية".
وصرح ايرولت أن باريس وبرلين ستعرضان على شركائهما «حلولاً عملية» لجعل الاتحاد الأوروبي «أكثر فاعلية» لكن «من دون الدخول في بناء هيئات كبيرة».
ودعت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل التي نددت بـ«الضربة التي وُجهت إلى أوروبا» وإلى «عملية التوحيد الأوروبية»، الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة الإيطالي ماتيو رينزي إلى القدوم إلى برلين. كما ستلتقي على رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك.
وأوضح رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر لصحيفة «بيلد» الألمانية أن ألمانيا ستظل بعد خروج بريطانيا «تؤدي دوراً مركزياً وحتى أكثر أهمية داخل الاتحاد الأوروبي».
الردود الدولية
من جهته، دعا الزعيم الهولندي المعارض للهجرة، خيرت فيلدرز، إلى استفتاء على عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي بعد أن صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد المؤلف من 28 دولة. وقال فيلدرز في بيان "نريد أن نتولى مسؤولية إدارة شؤون بلدنا وأموالنا وحدودنا وسياستنا للهجرة".
وصرح وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آيرولت، في تغريدة على موقع تويتر الجمعة أن فرنسا تشعر بالأسف لتصويت البريطانيين لصالح خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي، داعياً أوروبا إلى "التحرك" من أجل "استعادة ثقة الشعوب". وقال آيرولت في أول رد فعل فرنسي على الاستفتاء البريطاني إن "أوروبا مستمرة لكن عليها التحرك واستعادة ثقة الشعوب. إنه أمر ملح"، مضيفاً أنه "حزين من أجل المملكة المتحدة".
كذلك دعا حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا، إلى إجراء استفتاء على عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي.
وقال فلوريان فيليبو نائب رئيس الحزب في تغريدة على تويتر "حرية الشعوب تفوز دوما في النهاية، أحسنت المملكة المتحدة.. الدور علينا الآن".
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد يوماً حزيناً لأوروبا.
بدوره، قال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أحيط علماً بنتيجة الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد والتي جاءت لصالح "الخروج" ويعتزم أن يتحدث إلى رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، خلال الساعات الـ24 القادمة.
من جانبه، قال رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، ان تأييد البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي يظهر أن على بروكسل أن تستمع لصوت الشعوب وتقدم حلولاً ملائمة للقضايا المهمة مثل قضية الهجرة.
ودعا رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشيل، إلى اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي لإعادة تأكيد التزامهم حيال الاتحاد، بينما أوضحت رئيسة وزراء النرويج أن التكتل عليه الاقرار أن كثيراً من المواطنين في بريطانيا والاتحاد غير راضين عن الاتجاه الذي تسلكه القارة.
بدوره، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، أن تأييد البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي لا بد وأن يدفع أوروبا سريعاً لإجراء تغييرات لتعزيز مستقبل التكتل.
من ناحيته، استبعد المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، أن يكون لتصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي "أثر الدومينو" على باقي الدول الأعضاء، مؤكداً أن بلاده لن تقدم على مثل هذه الخطوة.
من طرفه، رأى رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، أنه يتعين إصلاح الاتحاد الأوروبي بعد تأييد البريطانيين لخروج بلدهم منه على أن ينصب التركيز على النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل والاندماج بشكل أكبر، في حين وصف نظيره السويدي، ستيفان لوفين، نتيجة الاستفتاء بأنها "نداء للاستيقاظ".