- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 05 تشرين2/نوفمبر 2017 21:50
لقد قدر دقة السكك الحديد الألمانية واستخدمها في عودته إلى روسيا. وكان الاكتفاء بالتفرج وتعليق الآمال على عجلات الثورة الدائرة، بالنسبة اليه خيانة لكل اولئك الذين أطاحوا بالقيصر للتو، ويعتزون بتوقعاتهم القادمة. في نيسان 1917 سافر لينين إلى البلد الأكثر حرية في حينها، ولكن يجري الصراع فيه من أجل أكثر من الحرية والديمقراطية، أي الحرية، الخبز، الأرض، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وظف زعيم البلاشفة المنفى القسري لتهيئة برنامج وتكتيك النضال الثوري. وصل بتروغراد، وهو بجاهزيته. وقد كتب أحد معاصريه: «من على ظهر مدرعة كان على لينين، في كل تقاطع تقريبا «الدعاء وتقديم الصلوات»، والتوجه بخطب جديدة إلى الحشود المتجددة والمتدفقة». تحرك الموكب ببطء. لقد تحقق النصر ببراعة، وحتى أصبح رمزاً.
وبعد يوم من وصوله إلى بتروغراد في 17 نيسان 1917 (وفق التقويم الحديث)، قدم لينين مشروعه الثوري لمندوبي البلاشفة والمناشفة في السوفيتات. بعض المناشفة اعتقد أن لينين يبشر بـ»الهذيان» وشعارات فوضوية. وحتى بعض رفاقه البلاشفة مثل ليف كامينيف نأوا بأنفسهم: «فيما يتعلق بعرض الرفيق لينين، نجده غير مقبول بقدر افتراضه أن الثورة الديمقراطية البرجوازية قد انتهت، ونحن بصدد البدء في التحويل الفوري لهذه الثورة إلى الاشتراكية». والعديد من رفاقه السابقين توقعوا أن لينين فقد في المنفى علاقته بالواقع. ولكنه كان متمسكا بتحليله للرأسمالية الروسية، ضعف البرجوازية وحكومتها، تردد قوى اليسار، وعمق الأزمة. وأدرك الاحتياجات الحقيقية للجماهير، والفرار الجماعي من الجيش، والاعتماد الجزئي للعنف في الاستيلاء على الأراضي من قبل المزارعين والمعدمين، مطالب العمال في المصانع واستمرار نجاح ديمقراطية القواعد في السوفيتات. هل كان ينبغي لليسار السير خلف التاريخ او توجيهه؟
في خطابه، الذي عرف لاحقا بـ»موضوعات نيسان» شدد لينين على النهج الصارم المعادي للحرب، الذي اصبح بالنسبة اليه الآن نهج الثورة. وارتباطا باستمرار الحكومة المؤقتة، المدعومة من سياسيين يساريين، في تبني نهج الحرب، لا يمكن بدون الثورة الاشتراكية الوصول إلى السلام، بلا ضم أو الحاق. ولهذا يجب ايضاح «العلاقة التي لا تنفصم بين الرأسمال والإمبريالية ... يجب على المرء اثبات، انه بدون اسقاط الرأسمال، لا يمكن انهاء الحرب بسلام ديمقراطي حقيقي، وليس بسلام يفرضه العنف».
وعلى النقيض من الرأي السائد في جميع احزاب اليسار، طالب لينين بالسير قدما بالثورة البورجوازية - الديمقراطية الحالية. البرجوازية غير قادرة على القيادة، وعلى البروليتاريا الخروج من دور المساعد، وتنظيم نفسها على أساس مصالحها للوصول سوية وبالتحالف مع فئات الفلاحين الفقيرة، في المرحلة الثانية من الثورة إلى السلطة. إن الحريات الديمقراطية المتحققة تقدم الشروط المثالية لذلك.
ورأى لينين وجوب فضح الحكومة المؤقتة ومكافحتها، لأنها تمثل مصالح الرأسمال واتفاقية التوافق، وليس مصالح الجماهير العاملة. وكان هناك بالفعل بدائل ديمقراطية: السوفيتات. ولأن البلاشفة كانوا لايزالون يمثلون الأقلية، فيجب العمل من اجل الحصول على تأثير أكبر. ويجب تقديم تفسير للجماهير «أن سوفييتات نواب العمال الشكل الوحيد الممكن للحكومة الثورية». وعلى العمال والفلاحين والجنود مع السوفييتات الاستيلاء على السلطة، وليكن الشعار «كل السلطة للسوفييتات».
لقد صدم لينين الجميع، ولم يطالب بأقل من تدمير جهاز الدولة البرجوازية القديم، واقامة شكل جديد بالكامل للديمقراطية: لا جمهورية برلمانية، بل جمهورية سوفيتات نواب العمال، والعمال الزراعيين، والفلاحين في جميع انحاء البلاد من الأسفل إلى الأعلى. الغاء الجيش والشرطة والموظفين. و:»تحديد رواتب جميع الموظفين الذين يمكن على الدوام انتخابهم، وعزلهم، وليس خارج حدود معدل راتب عامل جيد».
وبالنظر إلى المزاج العام في البلاد، ودع لينين في المسألة الزراعية التفسيرات الماركسية الأكاديمية. ووفقا لأفكار الثورة الاجتماعية، وعد ببرنامج زراعي جذري للمزارعين، مع التركيز على العمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضاً: «مصادرة عقارات الملاك» و»تأميم جميع أراضي البلاد». ولكن لم يتضمن جدول اعماله تأميم الاقتصاد، وحتى تطبيق الاشتراكية باعتبارها «مهمة عاجلة، بل في تلك اللحظة لابد من سيطرة انتقالية على الانتاج المجتمعي وتوزيع المنتجات بواسطة سوفييتات نواب العمال». ولتحقيق ذلك اشتغل لينين على اعادة تنظيم الحزب وتحويله إلى حزب شيوعي، اعلان القطيعة مع الأممية الثانية والديمقراطية الاجتماعية، وتأسيس أممية جذرية جديدة. ولم يتملكه الوهم، ان الثورة الروسية قادرة على تغيير العالم بمفردها. وكان يأمل في الغرب، وخاصة المانيا. وان روسيا ستقدم على الخطوة الأولى فحسب.
لقد استطاع إقناع قيادة البلاشفة. واستوعبت حججه بحماس من قبل العمال والفلاحين والجنود. وأصبح عدد أعضاء الحزب عشرة أضعاف في غضون أشهر قليلة. وسعى مع 300 ألف بلشفي إلى تنفيذ برنامجه الثوري، وتخلل ذلك خلافات وحزم للوصول إلى الهدف المنشود. ولم يستطع لينين كسب جميع المنافسين اليساريين، في طيف الأحزاب السياسية الواسع حينذاك. ومع امتلاكه مهارات تكتيكية هائلة، واستعداده لتقديم التنازلات، لم يكن لينين رجل التنازلات السهلة. وكان لهذا الثبات ثمنه، كما اتضح لاحقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*- الدكتور شتيفان بولينغر: مؤرخ وعضو لجنة التاريخ التابعة لقيادة حزب اليسار الألماني. سيصدر له ايار 2017 كتاب «1917 ثورة من أجل السلام».
نشر في العدد 114 اب 2017
من مجلة الشرارة النجفية