المنبرالحر

رفاق شهداء ..عايشتهم/ علي عرمش شوكت

2 – الشهيد محمود مطر.
كانت مدينة الثورة في بغداد وما زالت اسماً على مسمى، مدينة، يتسم سكانها بروح مفعمة بالثورية. وبواقع متصل كانت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هذه المدينة على الدوام تنجب ثواراً شجعان، وعلى سبيل المثال الشهيد "محمود مطر".. الذي كنت قد التقيته في سياق العمل الحزبي السري والعلني. و في حينها كانت هذه المنظمة قد تعرضت الى ضربات عديدة من قبل اجهزة الانظمة الدكتاتورية البعثية المتعاقبة، الا انها سرعان ما كانت تمسك على جراحها وتنهض، بفضل تماسك رفاقها من ابناء العوائل الكادحة على الاغلب.
وما ان خفّت شراسة هجمات السلطة البعثية ضد الحزب الشيوعي في ظل ما سمي بـ" الجبهة الوطنية التقدمية " حتى اتسعت حركة التنظيم الشيوعي في مدينة الثورة تحت قيادة الشهيد " محمود مطر " ورفاقه الاخرين . ومنهم على سبيل الذكر وليس الحصر، الرفيق ابو هديل والرفيق ابو لينا والرفيق ابو باسل والرفيق ابو صفاء، وغيرهم الذين لم تسعفني الذاكرة باسمائهم. ففي عام 1973_ 1974 تضاعفت القوى العددية الحزبية لمنظمة مدينة الثورة بصورة سريعة، مما غدت لجانها القاعدية وخلاياها تنتشر في كافة القطاعات السكنية للمدينة. الامر الذي دعا محلية الرصافة التي كانت ترتبط بها منظمة مدينة الثورة الى شطرها الى منظمتين متفرعتين، وهنا برز دور الشهيد "محمود مطر" القيادي.
حيث كلف الرفيق بتقديم تصور حول انشطار المنظمة المزمع اتخاذه، وفي اليوم التالي جاء الرفيق وبجعبته قاعدة معلومات شاملة، ليس فيما يخص قوى المنظمة العددية فحسب، وانما بقوائم لتركيبة هذه المنظمة الطبقية. وبنسب العمال والكسبة والموظفين. والمثقفين من الشعراء، وشباب، وطلاب جامعات وغيرهم، وعندما سئل كيف ومتى جمعت هذه الاحصائية ؟، التي دلت على كفاءة قيادية فذة، اجاب سهرت ليلة امس حتى الصباح، اجمعها من الاوراق القديمة، وكذلك من الذكرة. وهكذا كان الرفيق الشهيد محمود ملماً وحريصاً على مهمته الحزبية، ومما يجدر ذكره هو، عندما بُلغ بعض رفاقه بالتقسيم وان بعضهم سيكون في هيئة اخرى، فضل جميع رفاقه بالبقاء معه، اي ضمن مسؤولية الرفيق محمود، وذلك ما عكس تأثير شخصية الرفيق وكفاءته القيادية وحب رفاقه له.
ومن الذكريات التي لم تمح ابداً مع الشهيد محمود، تلك التي حدثت عام 1973 غداة قيام ما سمى بـ " الجبهة الوطنية التقدمية" وفي احد الاجتماعات للجنة تنظيم بغداد المحلي، حيث كان منسباً لها ومسؤولاً عن منظمة مدينة الثورة، وبحضور رفاق اخرين، منهم جميل الياس، وكاتب هذه السطور، وكمال شاكر، وام بشار" ابنت الشهيد وصفي طاهر" و الفقيد عزيز مشاري، واخرين وكان الاجتماع باشراف الرفيقة الفقيدة " نزيهة الدليمي " وعندما تحدث الرفيق محمود عن كارثة انقلاب شباط 1963 الاسود متطرقاً الى الشهداء، انفجر باكياً بحرقة شديدة، مما دعا المشرفة الى تهديئته وطلبت منه ان يستريح في غرفة اخرى لحين ان يهدأ ومن ثم يعود. وفي تلك الحادثة كان الشهيد كأنه يعلن بانه سيكون مشروع شهادة مستقبلاً.
وقبل خراب " الجبهة " كان الشهيد "محمود مطر" قد ضم الى عضوية لجنة محلية عمال المشاريع الخدمية، مثل البريد والطباعة والنقل والفنادق، والاسواق التجارية وغيرها، باعتباره احد عمال المطابع.
وفي اثناء الهجوم الوحشي من قبل البعثيين على تنظيمات الحزب في عام 1978 تعرض الشهيد للاعتقال، ولكنه حافظ على الامانة الحزبية، رغم ما تعرض له من تعذيب بشع، واخبرني في حينه مسؤوله الحزبي بعد خروجه من الاعتقال، الرفيق الراحل صاحب غني " ابو مازن" بانه التقى بالرفيق محمود وحدد موعداً معه فطلبت منه ان يعرض عليه السفر الى الخارج معه، او الذهاب الى كردستان حسب توجيه الحزب آنذاك، لابعاده عن ايدي القتلة البعثيين، وعندما عُرض عليه هذا التوجيه، رد على الرفيق ابو مازن. بانه لا يتفق مع فكرة السفر، مفضلاً البقاء ، قائلاً :( اذا كلنا سافر فمن يبقى يناضل هنا، ومن يعيد تشكيل التنظيم مرة اخرى.. نحن قد تمرسنا على ذلك). هكذا كان الرفيق الشهيد مناضلاً باسلاً وقائداً ميدانياً ولا يحلو له النضال الا في المهمات الصعبة.
المجد كل المجد لك ايها الرفيق الشجاع. ولن ينساك حزبك ولا رفاق دربك الذين عايشوك.