المنبرالحر

وظائف بنوك التفكير (Think Tanks) والتخطيط الاستراتيجي وأهمیتها/ د.سامان سوراني

إن ما ماتدرج تحت إسم الثينك تانكس أو مراكز البحوث والدراسات السياسية ماهي إلا منظمات غير حكومية أو غير ربحية وفي بعض الأحيان شبه حكومية تقوم بأنشطة بحثية سياسية تحت مظلة تثقيف وتنوير المجتمع المدني بشكل عام ، وتقديم النصيحة لصناع القرار بشكل خاص.
وليس من الضروري أن تركز بنوك التفكير فقط علی أمور تتعلق بالسياسات الخارجية أو قضايا عالمية قوم بالبحث في أمور مرتبطة بالسياسات المحلية منها إقتصادية أو بیئیة أو قضايا الطاقة والزراعة.
في مقال سابق لنا تحت عنوان "إقليم كوردستان و دور مراكز الأبحاث في صنع القرار السياسي" سردنا تاريخ نشٶء مٶسسات الفكر في الولايات المتحدة الأمريكية وذكرنا الدور الفاعل لبعض مؤسسات الفكر والرأي كمؤسسات أبحاث حول السياسة ، التي تقوم بتقويم السياسات السابقة ، لتضعها في إطارها التاريخي والسياسي السليم أو تقوم بتحديد الآثار بعيدة المدى للسياسات المتبعة تجاه الأصدقاء والأعداء.
هناك مٶسسات غربية تناولت في السابق وهي مستمرة الی الیوم في تناول القضايا المتعلقة بإقليم كوردستان. لكنە آن الأوان للباحثين الكورد بصفتهم مراقبين مشاركين ، وبالأخص الذين يعيشون في كوردستان ، أن يتناولوا الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الإقليم وينتجوا البحوث المعمّقة الأكثر موضوعية ، كونهم لايعانون أوجه القصور المنهجيّ والثقافيّ واللغويّ التي تعاني منها المؤسّسات الغربيّة. نری من الضروري الإهتمام بمواضيع عامة تشمل الإصلاح السياسي والإداري، والعلاقات الخارجية للأنظمة والقوّة الفاعلة ، وقضايا الأمن ، والأمن القومي ، والاقتصاد و علیهم بالأخص التركيز علی الأزمة السورية و مشكلة الملف النووي الإيراني والدور المستقبلي لكل من تركيا وإيران في المنطقة وكذلك دراسة التغييرات التي تطرأ علی المجتمع والقضايا السكانية والتعليم والصحة والوفيات والجندر، وقضايا الهويّة ، وفرص العمل للخريجين وغيرهم وأسباب البطالة والحركات الاجتماعيّة ودور المجتمع المدني والتّنظيمات المدنية ، والسّياسات الاجتماعية المتكاملة والاندماج الاجتماعي ، والسّياسات الدولية للتّنمية ، ودور المؤسّسات الدوليّة والإسقاطات السكّانية العالميّة.
أما من ناحية السياسة والدراسة الإعلامية ودورها واستقلاليّتها وملكيّتها ، وصناعة الرّأي العام وتكنولوجيا المعلومات ، فعلیه إجراء دراسات حول كيفية تناول الغرب لقضايا كوردستان وتقييم أداء الإعلام الأقليمي والمحلي. وفي المجال الإقتصادي يجب متابعة الإقتصاد السياسي للإقليم والعراق والمنطقة وفرص التعاون الإقتصادي المشترك ودراسة سياسات البك الدولي و صندوق النقد الدولي و تدفق الرأسمال الأجنبي والاستثمار والتكنولوجيا وتنمية المشاريع والهياكل الأساسيّة الخدميّة.
مراكز البحث يجب أن تهتم بالقضايا البیئية لحماية الموارد الطبيعية والأمن الغذائي وتقوم أيضا بتقييم سياسات التربية والتعليم بما في ذلك التعليم العالي وأسباب عدم تطوير مستوی التعليم ومناهج التدريس ولغة التدريس.
فالمجتمع الذي يأخذ مسألة الوعي بالتغيير بعين الإعتبار و يحاول زرع هذا الوعي ويعتنی به بشكل مطلق يستطيع الوصول إلى حالة الإدراك المتبادل بين مصاعب الحاضر ومشكلات المستقبل. أما البحث والإستقصاء في القضاء على عوامل التردي التي خلقتها قوى مضادة متغلغلة في دواخل مجتمعاتنا ، وتجد غذاءها من قوى إقليمية و كبرى، فهو سينقذ مجتمعاتنا من ورطاتها التي يتفاقم خطرها يوما بعد آخر. المعلوم هو أنە من الممكن من خلال بنوك الفكر العمل علی خطط تتعلق بالمستقبل ورٶی من أجل المستقبل ومشروع عمل أو خارطة طريق ، لأننا نعيش زمن يتحرك حركة قوية. علینا معرفة المسار والنطاق القيمي ، فنحن بحاجة عمليّة ونظريّة ماسّةٌ للتدقيق في معاني معظم، وربّما كلّ المفاهيم المستخدمة في التعبير عن المعرفة الإنسانيّة عموماً ، وعن تلك المتعلّقة بالشأن السياسي خصوصاً. ولابد ترك التباكي علی القيم المنهارة أو علی الحداثة الآفلة ، فالإنسانية تشهد اليوم ولادة جديدة مع العصر الرقمي ومن الواضح بأن لكل عصر تقني شكله البشري ونمطه الوجودي، إذن لابد من ظهور فاعل بشري جديد علی المسرح ، الذي يروع الكتل الدينية بتیاراتها ومعسكراتها ويقلل من بريق شعاراتها ورموزها وقيمها.
وللتأكيد علی الأهمية العظمى لدور المعرفة والعلم والعقلانية في عالم السياسة وفي التجارب السياسية الناجحة والمثمرة والمفيدة نعيد هنا قول الحكيم اليوناني أفلاطون (427-428 ق.م \ 347-348 ق.م) في جمهوريته:
"يا عزيزي غلوكون ، لا يمكن زوال تعاسة الدول ، و شقاء النوع الإنساني ، ما لم يملك الفلاسفة أو يتفلسف الملوك و الحكام ، فلسفة صحيحة تامة. أي ما لم تتحد القوتان السياسية والفلسفية في شخص واحد ، وما لم ينسحب من حلقة الحكم الأشخاص الذين يقتصرون على إحدى هاتين القوتين ، فلا تبرز الجمهورية ... إلى حيز الوجود و لا ترى نور الشمس. والذي حملني على التردد في إبداء الرأي هو شعوري انه يضاد الرأي العام كل المضادة ، لأنه يعسر الاقتناع بأنه وسيلة لحصول الفرد والدولة على السعادة."