المنبرالحر

قضم للديمقراطية وأعذار واهية / مرتضى عبد الحميد

في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم حصلت هذه الحادثة في مدينتنا الصغيرة، وهي من صنف «شر البلية ما يضحك». كنا واقفين في وسط السوق الرئيسي للبلدة، وإذا بمفرزة من الشرطة يقودها ضابط «معاون» بدأ فوراً يتحرش بمعلم مدرستنا، ويتلاسن معه، ثم اطلق قدمه ليضربه «جلاّق» لأنه كان محسوباً على الديمقراطيين، فما كان من المعلم إلا أن سحب نفسه، فسقط المعاون على الأرض. وفي الحال أعتقل المعلم، ووجهت له تهمة التسبب في سقوطه وتوسيخ بدلته العسكرية، مما يعني اهانة الحكومة والتمرد عليها، فلو لم يسحب جسمه لكان المعاون قد أصابه وشفى غليله منه!
هذه الحادثة الكاريكاتيرية، تشبه إلى حدّ بعيد، القرارات الأخيرة لمفوضية الانتخابات ومحكمة النشر والإعلام، باجتثاث بعض المرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة، واكثرهم من الأصوات العالية ضد الفساد والإدارة الفاشلة للدولة، ويقول العارفون بالأمور، أن هذه البداية التعسفية، ستتبعها إجراءات قمعية أخرى بحق المنتقدين والمعارضين السياسيين. والتهمة الجاهزة أنهم أخلوا بشهادة حسن السلوك والسيرة للمرشح، لكنها في حقيقة الأمر تعكس إصرارا غريباً على تذكير الشعب العراقي بتجاربه المريرة والقاسية مع الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية التي حكمت العراق. المهم أن يجدوا ذريعة وان كانت لا تقنع طفلاً.
ان هذه الدوائر الرسمية ومن يحركها من وراء ستار، لم تفعل شيئاً سوى استنساخ تجربة ذلك المعاون الذي سقط على ظهره، فالكل يعلم أن دوائر ومؤسسات الدولة لم تقدم شيئاً نافعاً للمواطن العراقي، والخراب ينشر ظله في كل مكان، ومع ذلك لا تريد أن يشير لها أحد أو ينتقدها ، وتعتقد أنه لولا الالوسي والساعدي وبقية المغضوب عليهم، لما أستطاع آخرون أن يكشفوا زيفهم، وفشلهم، وبالتالي سقوطهم وخسارتهم الانتخابات، التي تعني الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً!
أنها بداية المصادرة لحرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الدستور العراقي، وهي أفضل ما موجود في نظامنا الديمقراطي العتيد. فهل تريدون الإجهاز على هذا النزر اليسير الذي يتمتع به العراقيون؟ وهل المسؤولون على اختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم معصومون من الخطأ؟ أم ماذا؟ لا سيما ونحن نعرف أن المعصومين هم (اثنا عشر) ولم يقل احد أنهم «ثلاثة عشر» أو أكثر، فما بالكم تريدون صناعة أصنام جديدة؟
أن مصادرة حرية الرأي والتعبير والإعلام بهذه الطريقة الثعلبية لها دلالات بالغة الخطورة، الأمر الذي يحتم على كل الذين تعز عليهم الحرية والديمقراطية كما تعز عليهم مصلحة شعبهم ووطنهم، خاصة النخب السياسية والمثقفين، التصدي بحزم وجرأة لهذا النهج الكارثي، الذي ان استمر، سيوصلنا لا محالة إلى ديكتاتورية جديدة، وان كان لونها مختلفاً.