المنبرالحر

في ذكرى سقوط الصنم/ د. علي الخالدي

يبتهج الشعب العراقي في كل عام في التاسع من نيسان بذكرى التخلص من أعتى دكتاتورية في المنطقة وربما في العالم , فبعد فشل كل المحاولات التي إريد بها تجنب الحرب ، كالخطة التي قدمها الراحل الشيخ زايد آل خليفة ، والقاضية بتشكيل حكومة مؤقته ، بعد ترحيل الدكتاتور صدام وعائلته لمكان آمن ، ( حظيت بمعارضة الدول العربية ) , و مع إصرار الجانب الأمريكي على خيار الحرب لتغيير النظام ، تقبل بعض اﻷحزاب التي قارعت الدكتاتورية ، صاغرة طريق الحرب ﻷسقاط الدكتاتورية البغيضة ، فإرتعدت في حينها الوطنية لما سيحدثه طريق الحرب من تصاعد في وتيرة المآسي و الويلات لشعبنا وللمنطقة.
لقد تحمل الشعب العراقي ، جراء حروب الدكتاتورية العبثية مع دول الجوار ، وضد الشعب الكردي التي إستعمل فيها السلاح الكيمياوي في مجزرة حلبجة، وتحمل وزر سياساته الرعناء الداخلية والخارجية التي فاقمت من مشاكله اﻷقتصادية واﻷجتماعية ، و بسبب نهج البعث الدكتاتوري والشوفيني منذ إغتيال ثورة الفقراء تموز المجيدة ، بالتعاون مع أعداء شعبنا والطامعين بثرواته النفطية وما تلى ذلك من قمع وإرهاب شمل كافة القوى الوطنية ، تراجع الشعب العراقي عن مواقعه اﻷمامية في مسيرة الشعوب التقدمية وبقي آخر الصف ، ومع هذا أثار إعجاب العالم على قدرة تحمله لكل ما مر به من دمار ومآسي في حقبة الدكتاتورية وقدرته على النهوض مجددا أذا ما أتيحت له فرصة النهوض.

بعد سقوط الصنم وإبتهاج الشعب بذلك فوجيء والعالم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الذي أعتبر العراق بلدا محتلا , تنطبق بحقه إتفاقيات جنيف , وعلى ضوئه تشكلت سلطة مدنية ارتبطت بقيادة الأحتلال العسكرية ، كهيئة إستشارية ، وقد أبدى حاملو الهم العراقي معارضتهم لهذه الوصاية الدولية ، لكونها تسلب العراق سيادته وحقه في إدارة شؤونه ، بينما كان واضحا منذ الوهلة الأولى عند تشكيل مجلس الحكم سيادة مشاعر وطنية ساذجة لدى البعض ، بتقبل مشروع العامل الخارجي القاضي بتبني نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية ، وأقامة دولة على أساسه ، بينما تحمس آخرون لتهيئة مستلزمات دولة إسلامية وبتشجيع من دول الجوار ، ومع بروز ظواهر تتجه نحو عدم ترك فرصة أمام حاملي الهم العراقي للتصدي لعواقب هكذا نهج على مسيرة العملية السياسية ، إنصبت جهودهم ( حاملي الهم العراقي ) وبشكل ديمقراطي رغم الصعاب والمعوقات التي كانت توضع أمامهم ، بما فيها عرقلت مساعيهم الهادفة الى تجديد إشاعة الروح الوطنية في الظروف المستجدة ، عبر ضرورة الأسراع برحيل المحتل , وتعميق النهج الديمقراطي للعملية السياسية والنهوض بمعالجة موروثات الدكتاتورية باﻹصلاحات على الصعيد اﻷقتصادي واﻹجتماعي واﻹداري ، والغاء قوانينه الجائرة التي بمواصلة تبينيها أصيب النسيج اﻹجتماعي والجغرافي العراقي بالتشظي . لكن بعض اﻷحزاب المبتبنية لنهج المحاصصة الطائفية ، بدلا من النهوض باﻹصلاح ، استغلت الفرصة وفتحت أبوابها لتقبل الدعم المادي واللوجستي لدول الجوار ، الى كانت تعتبر إشاعة الديمقراطية ، أكبر خطورة من دبابات الدكتاتورية ، وأعتبرت رغبة الشعب العراقي بالديمقراطية غير مرحب بها في المنطقة ، فتدخلت بشؤونه الداخلية عبر قواعدها في الداخل ، وبانت مؤثرات هذا التدخل في نهج بعض القائمين على موقع القرار ، بتطبيق أجندتها طائفيا وسياسيا مما صعد من مواصلة التجييش الطائفي بين القائمين على الحكم ، فخسروا تأييد الشارع العراقي ، والقوى الوطنية الحقة ، لسياساتهم تلك ، فَنَظمت حراكا شعبيا متواصلا ، تصدت له السلطات بالقوة المفرطة ، بعيدا عن روح النضال الوطني الذي به قارعوا الدكتاتورية ، ناشرين بذلك غسيلهم الوسخ ،و فشلهم في مكافحة الفساد ومحاربة المحسوبية و وضع أشخاص على اساس ميول طائفية في أماكن لا يملكوا كفاءة في إدارتها ، فبانت عورة دولة نهج المحاصصة في كافة اﻷصعدة ليس أمام الشعب العراقي فحسب وإنما أمام العالم أجمع ، ومما زاد الطين بلة هو قفزهم (القائمين على نهج المحاصصة ) على الدستور وهضم حقوق ابناء الوطن ، مما أكد حقيقة عدم إمكانية إصلاح مقام النهج الطائفي ، إلا بالتغيير الجذري.

في ظل نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، كان على العراقيين أن يتحملوا تواصل معاناتهم الموروثة من الدكتاتورية ، و ما أضيف عليها من معاناة يومية باستمرار نتيجة المآسي واﻷزمات التي توالت عليه ، والتي إنسحب تأثيرها السلبي على العملية السياسية مما أدى الى موتها برمتها سريريا ، فوضعت العراق في قائمة الدول الفاشلة ، بكل المقاييس ، ولم يبق أمام العراقيين أمالا بانعاشها وتصحيح مسارها ، إلا عبر ما تم من لملمة الأطراف العابرة للطوائف في إطار التحالف المدني الديمقراطي ، المالك قدرة و مؤهلات إنعاشها ، وإعادة الحياة لها من جديد ، عبر التغيير الذي سينهض به عابرو الطوائف من المنضوين تحت لوائه، عبر دعمهم في اﻹنتخابات القادمة ، و التمكن من وضعها ( العملية السياسية ) على سكتها الصحيحة للسير ، نحو بناء عراق ديمقراطي فدرالي مدني تسوده العدالة اﻷجتماعية الذي واصل فقدانها نهج المحاصصة الطائفية المقيت . كلنا أمل أن يكون إحتفالنا القادم بسقوط الصنم ، بعيدا عن أجنداته ، لتكتمل فرحتنا الحقيقية بسقوطه.