المنبرالحر

استراتيجية القوة العالمية/ اعداد حازم كويي

يعتبر زبيغنيف بريجينسكي (بولوني الاصل) من اكثر السياسيين دهاءاً كونه كان مستشاراً للامن القومي والشؤون الخارجية لخمسة رؤوساء امريكيين، وهوايضاً استاذ العلوم السياسية البولونية الاميركية، ويمكن معرفة آرائه ونظرته الثاقبة في استراتيجية السياسة الامريكية العالمية رغم انها لازالت محدودة والتي صدرت في كتابه (رقعة الشطرنج الكبرى، استراتيجية الهيمنة الاميركية)قائلاً.. انه ومنذ بداية الصراعات الايوروأسيوية (اوراسيا) قبل 500عاما فإن هذه المنطقة بقيت مركز القوة في العالم فهي تشمل قارة مزدوجة من غرب ووسط اوربا، المتضمن شرق وجنوب المانيا وبولندا حتى روسيا ثم الصين والمحيط الهادى مروراً بالشرق الاوسط ومعظم شبه القارة الهندية، ويَعتبِر بريجينسكي ان الهيمنة على آسيا الوسطى هو المفتاح لحكم هذه القارة المزدوجة وبغض النظر عن من سيمارس السيادة في هذه القارة العظمى، ان كانت الصين او روسيا، والذي من شأنه ان يهدد مطالب اميركا، لهذا فهو يميل الى ان اميركا ستتجنب هذا الخطر من خلال التوجه الى الدول الضعيفة مثل اوكرانيا ، اذربيجان ،ايران وكازاخستان بتوريطهم واثارتهم كي نمنع روسيا والصين من التقدم نحو احتياطات النفط والموارد الطبيعية الاخرى في آسيا الوسطى.
وتعتبر منطقة البلقان الاوراسية اكثر اهمية كون آفاق التطور تتركز هناك ايضا لوجود احتياطات الغاز والنفط الهائلة ،اضافة الى المعادن الهامة بما فيها الذهب .
وتتماشى سياسة اميركا مع هذا الهدف وطموحها في بلقَنة كل الجناح الجنوبي من روسيا،وهذا يعني تقسيم الكثير من هذه الدول الى دويلات صغيرة والتي ستعتمد على المساعدات الخارجية من اجل حل مشاكلها الاقتصادية وامنها ومن خلال تعزيز قوات دولية خارقة تتلائم مع هذا المفهوم وكما حصل سابقاً في سيناريو جيورجيا ذات الحكم الذاتي التي حدثت فيها اعمال شغب اثناء وجود الاتحاد السوفيتي والتي اضطرت للدفاع عن الروس الساكنين هناك بحملات عسكرية، وهي الآن دولة مستقلة.
تفكير بريجينسكي وجد ضالته في افغانستان عندما نصب الاتحاد السوفيتي حكومة موالية له والمعارضة لسياسة الولايات المتحدة، التي وجدت لها حلفاء منها المجموعات الاسلامية المتطرفة كحركة طالبان لاخراج السوفييت، هذه الفكرة التي جاءت من بيرجينيسكي كرد لحرب امريكا في فيتنام واحتلال جنوبها والتي دامت سنوات طوال حتى تحررها وانزال الهزيمة باميركا من خلال مساعدة ودعم السوفييت.
و الشئ نفسه حدث عندما تلقت طالبان مساعدات امريكية كبيرة استطاعت فيها اسقاط حكومة افغانستان الموالية للسوفييت ،والتي فقدت فيها هيبتها داخلياً وخارجياً والتي ساهمت في تفكيك الاتحاد السوفييتي ،وظهرت الستراتيجية في الشيشان حيث وجدت روسيا ملزمة بالدفاع عن مواطنيهاوبالوسائل العسكرية ضد المتطرفين الشيشان وبدأت النغمة الاميركية عن انتهاك القانون الدولي وكأنها لاتمارس هي التدخل في دول اخرى حتى لوكلفها فقدان مواطنيها الاميركان.
فالاميركان يعتبرون انفسهم قوة عالمية ،لاتترك معارضيها من الصين او روسيا لوحدهم في الملعب ، ورغم تصريح اوباما من ان روسيا هي مجرد قوة اقليمية، الا انه ينسى ،ان اي شخص يحوز الصواريخ والاسلحة النووية قادر على محو الآخر ،هذا الجنون واليأس ينهي الجميع بلا اِستثناء.
فالاستراتيجية الاميركية التي زعزعت الاستقرار في الجهة الجنوبية من روسيا ،ادت الى زعزعة الجهة الغربية المتمثلة ب (لاتفيا ،ليتوانيا ،استونيا) والتي اعطت انطباعاً للبولونيين وجمهورية الجيك الُمعزز بوسائل الاعلام بخطر التهديد الروسي او خلق هذا الشعور وذلك للحصول على المساعدات العسكرية والاقتصادية وهي سياسة اشراك الدول منفردة كما حدثت مع الحكومة البولونية ولدى قسم من البولونيين القاطنين في روسيا ومن خبرتهم لما حصل خلال التجربة التأريخية للقوميين الاوكرانيين ، هذا الوضع الذي يضعف اوربا.
وقد حذر جون ميرشهايمر المحلل السياسي الاميركي من مغبة المجابهة الجديدة في اوربا ،حيث خسرت روسيا حزامها الواقي في الجهة الشرقية ويقف الناتو الان على حدود روسيا ، وبسقوط فكتور يانوكوفيتش ،سقط آخر معقل،فاوكرانيا الغربية تتطلع الى حلف الناتو .
ولا يتركون الرئيس بوتين كي يهتم بالسياسة الداخلية بتصريحه مؤخراً ،من ان روسيا لن تسمح بالاعتداء على مواطنيها في اوكرانيا وستدافع عن مصالحها لحمايتهم عسكرياً ،مثل هذا النهج يمكن ان ينتهك القانون الدولي ولان الولايات المتحدة تنتهك ومنذ فترة طويلة القانون الدولي فهي تتوقع ان لاتكون حرباً طويلة ولسنوات في شبه جزيرة القرم.
ان الاجراءات العقابية المخططة ضد روسيا سوف تضر اوربا اكثر من روسيا ، كونها هي اي اوربا بحاجة لها اكثر من المجموعة الاميركية والكندية لتزويد اوربا بالغاز الطبيعي حتى لاتعتمد على الروس، هذا الاجراء سوف لا يُشعر الاوربيين بالامن والطمأنينة ،بل يخلق تبعيات جديدة ولايؤدي الى ضمان وتأمين ماتحتاجه من تزويد الطاقة ، وعلى ضوء ذلك سيتخذ بوتين موقفاً معانداً برفض المحادثات مع الغرب.
ومن وجهة نظر جون ميرشهايمر ،فان اقدام اميركا والمانيا للتهديد ، ماهو الا نوع من تحطيم الخزف كونهم لايظهرون اية رغبة مع حلفائهم الاوربيين بعمل عسكري ضد روسيا ، فالاسلحة تصدر الى اوكرانيا لاجل الحفاظ على مصالح اولئك الذن يدَعون حفظ الامن والاستقرار ، وينطبق هذا على روسيا فالدبابات تدعم الانفصاليين الروس ، اما كييف فتقوم باستخدام المرتزقة المؤجرين من خلال شركات اجنبية اميركية .
على اوربا ان تهتم بمصالحها الخاصة وعدم الانجرار الى دوامة المعركة بين الولايات المتحدة وروسيا من اجل التفوق في القارة الاوراسية ،فحليف الولايات المتحدة ينبغي له ان لا يكون تابعاً له، وعليها مد الجسور حتى بين المتعارضين.