المنبرالحر

التغيير .. ليس المحاصصة بعناوينها الجديدة / محمد عبد الرحمن

كلمة «التغيير» ربما كانت الاكثر تداولا في الحملة الانتخابية ، وها انها ما عاد لها اليوم ذكر في اجواء التطاحن على ترتيب اوضاع الحكومة المقبلة ، وما يصاحبها من استخدام لمفردات وكلمات تشكل بصورة او بأخرى استمرارا لاجواء الانتخابات. والاستثناء من هذا هم الدعاة الحقيقون والمطالبون باجراء تغيير حقيقي ، جذري وشامل .
ولعل ما يحصل الان ، مثلما تحدثت وسائل اعلامية عدة ، من شراء للذمم بعد رشوة الناخبين ، يقدم الدليل على ان رفع البعض شعار التغيير اثناء الحملة الانتخابية ، لم يكن الا ستارا لاخفاء المرامي الحقيقة لهذا البعض ، والتستر على سعيه للتمويه ، ولسلب شعار التغيير روحه وتقزيمه وتجييره لخدمة مصالح المتنفذين، الذين يريدون الاحتفاظ بالسلطة حتى ولو بشراء ذمم بعض النواب الجدد ، واغرائهم بالانضمام الى كتل معينة ، وقد قيل ان سعر النائب (المعروض للبيع) وصل الى مليون دولار ، والعهدة على من اعلن ذلك وبالاسماء .
هذه المهزلة ، ان صحت ، لا تعكس الا استهتارا بالناخب وبيعا بائسا لصوته ، ومن يقوم بذلك ، من الجهتين ، الواهب والقابض ، بعيد كل البعد عن الناس ومصالحها ، ولا يتجلى فيه الحرص على اخراج البلاد من ازمتها المستفحلة. وهؤلاء جميعا لا يربطهم جامع ، لا من بعيد ولا من قريب ، بالتغيير ومضامينه الحقيقية ، بل يحاولون في الواقع الالتفاف عليه عبر دخان كثيف من عبارات الحرص على تصحيح الاوضاع والمسيرة .
ان جميع المقترحات والعناوين التي قدمت لرسم معالم تشكيل الحكومة المقبلة ، تدور بعيدا عن اساس البلاء ، ولا تشكل مخارج من نظام حكم المحاصصة الطائفية- الاثنية المولدة للازمات ، والحاضنة للفساد ، والتي وفرت اجواء استطاع ان ينفذ منها الارهاب وقواه الشريرة ، وشكلت غطاء لنشاط المليشيات المنفلتة ، التي تجول وتصول على مرأى ومسمع من اجهزة الدولة وهيئاتها المسؤولة. كما ان اصحابها يرددون، عندما يتذكرون ، ان لا سلاح خارج يد الدولة ، لكن واقع موقفهم يقول بغير هذا ، والناس على علم بحقيقة ما يجري .
ان العناوين المقترحة على تعددها تُبقي على جوهر المحاصصة ، بل هي تكرسه . في حين اثبتت تجربة الـ 11 سنة الفائتة المريرة، وما رافقها من مآسٍ ودموع والام ، ان لا تغيرا حقيقيا يرتجى مع استمرار نظام المحاصصة المقيت ، ومن يقول بغير هذا فهو يلعب على حالة اللاوعي المرافقة للشحن الطائفي والمناطقي، ولتغذية الشوفينية وروح التعصب القومي .
فالتغيير يهدف اساسا الى نبذ هذا النهج المكبل لبناء مؤسسات الدولة على اسس الكفاءة والنزاهة والاخلاص ، وهو تغيير في نمط التفكر ، وفي المنهج والاساليب ، ولا يجمعه جامع مع روح التفرد والاستئثار والاقصاء والتهميش. وهو بهذا المعنى يستلزم تغيير الاشخاص ايضا ، الذين لا يمكن نكران دورهم، تسريعا ام اعاقة .
ان التغيير ليس شعارا عابرا ، انتخابيا ، سارع الرافضون لجوهره الى القول به ركوبا للموجة ، بل ان الناس هي من قالت به وطالبت بالاقدام عليه بعد ان وصل السيل الزبى ، وبات يصعب عليها العيش كالسابق.
انه شعار وهدف دعاة التغيير الحقيقيين ، المدنيين والديمقراطين. وهو شعار للعمل المتواصل وتحشيد الجهود لمراكمة عوامل انجازه