المنبرالحر

لو كنتُ من مازنِ / قاسم السنجري

تروي كتب التاريخ والأدب، أن قريط بن أنيف العنبري التميمي ، الشاعر الجاهلي، حين أغارت بنو شيبان عليه وتعرضت إبله للنهب استصرخ قبيلته لكنهم لم يستجيبوا له، فوجه نداء الاستغاثة إلى بني مازن فأجابوه وأغاروا على بني شيبان وردوا إليه ابله فقال قصيدته الشهيرة التي امتدح فيها شجاعة بني مازن وإقدامهم وقال فيها: «لو كنت من مازن لم تستبح إبلي».
يبدو أن نتائج الانتخابات شجّعت بعض النقاد على توجيه سهامهم إلى الحزب الشيوعي، بمعزل عن قوى التحالف المدني، وهم يدركون ان الشيوعي العراقي يتقبل النقد ويؤمن به كوسيلة للتصحيح، ولكن ليس كل نقد أو اتهام، ان النقد الموضوعي الذي يرتكز على الحقائق لا على الامزجة والنقد للنقد لا للتقويم، فضلا عن التعمية على جوانب ايجابية كبيرة حققتها الحملة الانتخابية فضلا عن اكتشاف القوة التصويتية للحزب، وسعيه الدؤوب لتطويرها واستثمارها بشكلها الأمثل. في حين يغض هؤلاء النقاد الطرف عما حدث في العملية الانتخابية وما رافقها وما قامت به احزاب أخرى، إلا أن من الواضح ان ما يمنعهم من الخوض في افعال أولئك تقف وراءه دوافع شخصية.
يغفل الكثيرون عن فوائد جمة، في خوض الانتخابات البرلمانية، فهي وإن لم تأت وفق ما يأمله الكثيرون من التغيير المنشود على مستوى التراتبية السياسية، إلا أنها كانت يوم الحساب الحقيقي لمعرفة ما بذرته القوى السياسية من قربها للجماهير، وما هو حجم البيدر الحقيقي لكل حزب أو تيار أو كتلة.
وبعيدا عن الآليات الانتخابية المجحفة، وطريقة عد الاصوات واحتساب المقاعد البرلمانية، وما رافق هذه العمليات من ظلم كبير، يبتعد عن روح المنافسة الحقيقية، وما أظهره من نتائج غير واقعية، تمسك البعض بتلابيبها ووجه سهام النقد الذي لا يتصف بالموضوعية ولا الواقعية الى الحزب الشيوعي العراقي ومرشحيه ، وكأن الناقد يحاول وبكل ما أوتي من قوة تعبير أن يغض الطرف عن ما حدث في هذه الانتخابات وما رافقها، من دون أن يكلف نفسه قليلا الالتفات إلى الحملات الترويجية الحقيقية والوصول إلى مناطق ما كان لكتل متنفذة ومتسلحة بمركبات الدولة الحديثة وأفواج داخليتها وحرسها أن تصل لها، إلا أن المرشحين الشيوعيين لم تقف أمامهم عقبة أمنية أو مخاوف من وضع أمني مضطرب في تلك المناطق، وتركوا كل التحذيرات وراء ظهورهم من أجل الوصول إلى الناس في كل مكان يمكن الوصول إليه.
كما أن الناقد، لم يتلفت إلى الارقام التي حصل عليها مرشحو الشيوعي العراقي سواء كانوا في بغداد أو بقية المحافظات، حيث أن المرشحة الشيوعية هيفاء الأمين حصلت على ما يربو على 12 صوت من ناخبي محافظة ذي قار الذين وضعوا ثقتهم بها، إلا أن الآلية المجحفة كانت وراء عدم حصولها على مقعد يمثل جماهير التحالف المدني الديمقراطي في ذي قار و نيل عضوية مجلس النواب العراقي.
أما في بغداد، فكان مرشح الحزب الشيوعي قاب قوسين أو ادنى من نيل معقد في مجلس النواب لولا أن طبقت المفوضية العليا للانتخابات نظام الكوتا على قائمة التحالف المدني الديمقراطي، وذهب المعقد إلى عضوة في التحالف المدني، وهذا لا يعد خسارة للحزب الشيوعي الذي نادى منذ دخوله للعملية السياسية بمنح المرأة حقها عبر نظام كوتا يتيح لها المشاركة في السلطة التشريعية وادارة الدولة.
ولو نظرنا بجرد حساب بسيط نجد ان الحزب الشيوعي العراقي، قد استطاع من خلال تحشيده الجماهيري سوية مع الديمقراطيين والمدنيين في تحالف مدني ديمقراطي، ان يحقق نتائج مبهرة على الرغم من العدد المحدود من المقاعد، في انتخابات كانت أشبه بحرب ضروس بين الكتل المتنفذة، فقدت فيها كتل تصنف من ضمن الكتل الكبيرة، الكثير من مقاعدها، في حين حقق التحالف المدني الديمقراطي خرقا في المنظومة الطائفية واستطاع ايصال مرشحين مدنيين ديمقراطيين مناوئين للطائفية.
أيها النقاد أن الشيوعيين قادرون على أن يكونوا «من مازنِ» ولن يستطيع أحد أن يستبيح اصواتهم أو ناخبيهم.