المنبرالحر

عن عدوان حزيران 1967.. المستمر حتى اليوم! / ناصر حسين

إثر التغييرات في قيادة السلطة في سوريا عام 1966 حيث أبعد عن مواقع المسؤولية كل من ميشيل عفلق، امين الحافظ، وصلاح الدين البيطار، وأستلم المسؤولية في حزب البعث السوري والحكومة السورية، ثلاثي الأطباء: نو الدين الاتاسي الذي اصبح رئيساً للجمهورية، يوسف زعين الذي أصبح رئيساً للوزراء وابراهيم ماخوس الذي استلم حقيبة وزارة الخارجية، جرى التصعيد في الخطاب السياسي السوري اتجاه اسرائيل والقضية الفلسطينية وأخذت الصحف والاذاعات والتصريحات تركز على شعار حرب التحرير الشعبية وأخذت تجري مناوشات عسكرية على الحدود السورية الإسرائيلية أستخدمت خلالها العديد من الصنوف العسكرية وبألاخص المدفعية، وهذا مامكن اسرائيل من التعرف على الأسلحة الجديدة التي وصلت سوريا من موسكو من بينها كما أتذكر قاذفات اللهب.
لانجاز تلك التغييرات في القيادة استخدم سلاح الدروع الذي كان بقيادة سليم حاطوم، الذي لم تسند له اية مهمة قيادية لا في الحزب ولا في الدولة وهذا ما ازعجه فقام بمحاولة انقلابية لم يكتب لها النجاح مما اضطره الى اللجوء الى المملكة الاردنية هو وبعض اركان حزبه.
ربيع عام 1976 اختفى من عمان وبشكل مفاجئ احد الضباط الذين التجأوا مع سليم الى الاردن وظهر في دمشق ليدلي بمعلومات خطيرة بثتها في حينها اذاعة دمشق واستمعت لها شخصياً عندما أذيعت من أذاعة دمشق، أفاد الضابط هناك عن مؤامرة خطيرة ضد سوريا يجري الاعداد لها بالتنسيق بين اسرائيل وسليم حاطوم ومن خطوطها العامة ان تقوم اسرائيل بتحشيد قواتها على الحدود السورية قبالة هضبة الجولان وسليم حاطوم على الحدود السورية الاردنية الذي يقوم بالتقدم باتجاه دمشق مستغلاً حالة الاصطدام العسكري على الحدد السورية الاسرائيلية اذا ما أبتدأت، واسقاط النظام القائم في سوريا وبدأت إسرائيل بتحشيد قواتها على الحدود السورية فعلاً.
هنا تدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر واعلن ان مصر لن تقف مكتوفة الأيدي اذا ماجرى التعرض الى سوريا. وبدأ باتخاذ اجراءات عسكرية انتقد على اتخاذها في حينه.
كانت تتواجد على الحدود الاسرائيلية المصرية قوات دولية بموجب قرار مجلس الامن الدولي منذ العدوان الثلاثي "الاسرائيلي البريطاني الفرنسي" عام 1956، أصدر لها الرئيس جمال عبد الناصر قراراً بالانسحاب من مواقعها وأغلق مضائق تيران بوجه الملاحة الاسرئيلية وقام بحشد القوات البرية والجوية في مواقع متقدمة قبالة الحدود الاسرائيلية المصرية.
خلال بضعة ايام دقت طبول الحرب وتقابلت القوات المسلحة جاهزة بانتظار ساعة الصفر.
تعرض الرئيس المصري الى ضغوط دولية من جهات مختلفة ومنها الاتحاد السوفيتي من اجل ضبط النفس فأعلن التزام مصر بان لا تكون السباقة بأطلاق النار، ولكن ما الفائدة.؟
ان الفرصة التي كانت تنتظرها اسرائيل ومن خلفها امريكا لمعاقبة مصر عن سياستها التحررية التي تنهجها قد توفرت لها والعد التنازلي لبدء الحرب قد ابتدأ ولا احد يستطيع ايقافه.
في تلك الساعات الحرجة، كان رأفت الهجان متواجداً في العاصمة الاسرائيلية وقد ابلغه صاحبه اليهودي المصري الذي انتقل الى اسرائيل واصبح عضواً في الكنيست الاسرائيلي والذي يعرف بالكامل المهمة التي يؤديها رأفت في أسرائيل، ابلغه بقرار الكنيست بشن الحرب على الدول العربية بساعة الصفر بالتحديد على الجبهة المصرية وتفاصيل الخطة العسكرية التي وضعت لهذا الغرض، وقد قام بدوره بابلاغ الحكومة المصرية بكل التفاصيل.
ساعة الصفر كانت صباح يوم الخامس من حزيران 1967 والصفحة الاولى من الحرب قيام الطيران الاسرائيلي وبارتفاع منخفض بمهاجمة المطارات المصرية في سيناء وتدمير مافيها من طائرات واخراج القوة الجوية المصرية من الحرب بعد ذلك تتقدم القوات الاسرائيلية على الجبهة الغربية مستخدمة الممرات الثانوية.
الملفت للنظر والمثير للاستغراب ان المشير عبد الحكيم عامر نائب القائد العام للقوات المسلحة المصرية كان في الوقت المحدد للغارة الاسرائيلية على المطارات المصرية في طائرة خاصة في أجواء سيناء، ولذلك كانت كافة الاسلحة للدفاع الجوي المصري في سيناء مكتفة، لا رمي بشكل مطلق لوجود طائرة هامة صديقة في الجو. لذا تمت الاغارة وفي الوقت المحدد لها، ومرت الطائرات الاسرائيلية من تحت طائرته وانجزت مهماتها وعادت الى قواعدها التي انطلقت منها دون ان تطلق عليها طلقة واحدة. اذاعت الاذاعة المصرية بياناً من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية اعلنت فيه قيام اسرائيل باشعال نيران الحرب واخذت تذيع الاناشيد الحماسية والموسيقى العسكرية، فكيف جرت الامور على الساحتين العربية والدولية في تلك الايام؟ فكيف سارت الأمور.

اولاً: الجبهة المصرية

القوات البرية المصرية المحتشدة في سيناء كان قد جرى توزيعها وحشدها على خط الحدود المصرية الاسرائيلية، وفي وضع لا هو بوضع الهجوم ولا هو بوضع الدفاع، فكان من السهل جداً على القوات الاسرائيلية سحقها وأسر العديد من قادتها خصوصاً وانها بقيت بدون مظلة جوية نتيجة تدمير المطارات المصرية المتواجدة في سيناء وكم كان محزناً لنا حينه ما اعلن ان الجنود المصريين كانوا يغادرون الدبابات التي تحترق بنيران الطائرات ويركضون فوق رمال سيناء والطائرات الاسرائيلية تحصدهم حصداً.
بعد الاعلان عن بدء الحرب توجه الرئيس عبد الناصر الى غرفة العمليات وعندما علم لدى وصوله غرفة العمليات بان المشير عامر في الجو فوق سيناء منذ الصباح الباكر امتعض وغادر عائداً الى بيته وهو يقول للقادة المتواجدين ((يأتي مشيركم يتصرف)).
في العمق المصري كانت تتواجد طائرات حربية يقودها طيارون مصريون أحسن تدريبهم، صدرت اوامر لهم للأقلاع بطائراتهم والتوجه الى ساحة المعركة لتوفير مظلة جوية للقوات المصرية التي أخذت تتراجع باتجاه القناة، وقد اقلعوا فعلاً لكنهم لم يتوجهوا الى ساحة المعركة بل كانوا يهبطون بمظلاتهم عندما يصلون منطقة القناة وينزلون الى الارض غرب القناة تاركين طائراتهم تواجه مصيرها حيث تصطدم بالارض وتتحطم، هذا الموضوع ساتناوله بالتفاصيل في مكان اخر.
في الساعة الثامنة مساء يوم الخامس من حزيران اي اليوم الاول من الحرب اتصل المشير عبد الحكيم عامر تلفونياً بالقيادة السوفيتية في موسكو مبلغاً اياها بانهيار الجبهة المصرية طالباً منها التدخل من خلال مجلس الامن لاستحصال قرار بايقاف القتال. وقد قام السوفيات بدورهم بدعوة مجلس الامن للانعقاد وعقد المجلس جلسته التي اصدر فيها قراراً يدعو لوقف اطلاق النار والغريب ان القيادة المصرية وهي التي كانت قد طلبت صدور هكذا قرار كانت اول من بادر لرفضه رسمياً.
أستمر القتال وفي مساء اليوم التالي اي السادس من حزيران اصدرت القيادة العسكرية بياناً مقتضباً اعلنت فيه ان القوات المصرية تقاتل على خط الدفاع الثاني اي الضفة الغربية من القناة أي انها انسحبت من كافة سيناء وقطاع غزة ايضاً. وبذلك اكملت اسرائيل احتلال غزة وسيناء واصبحت قواتها على الضفة الشرقية من القناة حيث باشرت فوراً بتشييد خطها الدفاعي شرقي القناة والذي عرف فيما بعد بخط بارليف.

ثانياً: على الجبهة الاردنية..

الاردن منذ اليوم الاول للحرب اعلنت دعمها لمصر ودخولها الحرب ضد اسرائيل وتولى الفريق اركان حرب المصري عبد المنعم رياض عبد الله قيادة الجبهة الاردنية ممثلاً للقيادة العليا المشكلة من قبل الجامعة العربية بموجب قرار مؤتمر القمة العربية المنعقد في 1964 القاضي بتشكيل قيادة عسكرية مشتركة للقوات العربية. وقد ابدع في استخدامه للمدفعية في القتال، لكن امكانيات القوات الاردنية ليست بمستوى مواجهة القوات الاسرائيلية وكانت بحاجة الى دعم عسكري من الدول العربية المجاروة اي العراق والسعودية. فماذا قدمت الدولتان انذاك للمعركة؟

• المملكة العربية السعودية

منذ اليوم الاول للحرب اعلنت السعودية من خلال برقية بعث بها / ملك السعودية الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ال سعود الى الرئيس المصري تأييد السعودية ودعمها لمصر وأكد الملك في رسالته انه تم الايعاز الى لواء اليرموك للتوجه الى ساحة المعركة.
كنا حينها نتابع المعركة ساعة بساعة وننتظر وصول القوات السعودية التي انتهى اليوم الاول للحرب ولم تصل وانتهى اليوم الثاني ولم تصل وانتهى الثالث والرابع والخامس والسادس وتوقف القتال بعد ان اكملت اسرائيل احتلال سيناء وغزة والضفة الغربية وهضبة الجولان ومزارع شبعا انذاك وصل لواء اليرموك ولكن ليس الى ساحة المعركة، بل الى الحدود السعودية - الاردنية.

• اما العراق

فمن المعروف ان الرئيس العراقي انذاك عبد الرحمن محمد عارف منذ الصباح الباكر لليوم الاول للحرب بعث ببرقية الى الرئيس الراحل عبد الناصر يعلمه فيها بوقوف العراق حكومة وشعباً الى جانب مصر وان العراق قرر دخول الحرب ضد اسرائيل المعتدية.
وظهر الرئيس العراقي عصراً على شاشة التلفاز وهو يحتضن ولده قيس الضابط في القوات المسلحة الذاهب مع القوات المسلحة العراقية لمقاتلة اسرائيل مودعاً وموصياً اياه بالقول : "عندما تدخلون تل ابيب لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا اسيراً ... الخ"
الحزب الشيوعي العراقي أصدر بياناً كتبه الرفيق الراحل زكي خيري سعيد اذ ان الرفيق السكرتير الاول للحزب عزيز محمد كان خارج العراق انذاك، حمل العنوان (( كل شيء من اجل الجبهة)).
وعلى ضوء ذلك التوجه من الحزب كانت لدينا مجموعة من الضباط الطيارين الشيوعيين المحكومين بالاعدام غيابياً من بينهم خالد سارة وعبد النبي جميل الذي جرى تهريبه من مستشفى الديوانية عندما كان سجيناً في سجن السلمان، ارتدوا ملابسهم العسكرية وتوجهوا صباح اليوم الاول للحرب الى القصر الجمهوري وقابلوا رئيس الجمهورية حيث طلبوا منه تزويدهم بطائرات حربية كي يتوجهوا الى ساحة المعركة للقتال ضد القوات المعتدية.
ثمن رئيس الجمهورية موقفهم وأصدر (وهم مازالوا في مقر عمله) مرسوماً جمهورياً بالغاء احكام الاعدام الصادرة بحقهم وايقاف كافة التعقيبات القانونية ضدهم وطلب منهم مقابلة وزير الدفاع للدخول في التفاصيل معه.
توجهوا الى وزارة الدفاع وقابلوا الوزير واذا بهم يفاجؤون بقوله (( انه اهون علي ان تأتي اسرائيل وتحتل بغداد من ان اراكم ضباطاً في القوات المسلحة العراقية )).
قابل الصحفيون رئيس الاركان وسألوه عما اذا كانت القوات المسلحة قد تحركت الى ساحة المعركة فاجابهم بالايجاب وبأنها ((ستصل الرطبة في الساعة الرابعة عصراً)).
هدف ممتاز للطيران الاسرائيلي، المكان والزمان محددان من قبل رئيس الاركان فهل يجد افضل من هذا؟
عندما وصلت القوات الى الرطبة في نفس الوقت الذي حدده رئيس الاركان في تصريحه أجابتها الطائرات الاسرائيلية بغارة مكثفة انهكتها تماماً فهي كانت بدون مظلة جوية وبدون اسلحة مضادة للجو.
اكملت القوات الاسرائيلية احتلال الضفة الغربية لنهر الاردن بالكامل وانتقلت الى الجبهة السورية بهدف احتلالها فماذا وجدت؟

ثالثاً: الجبهة السورية

ساتناول هذا الجانب من خلال التوثيق وليس من خلال المعلومات لدى الاعلام الدولي.
عام 1969 سافر الى دمشق وفد من قيادة حزبنا الشيوعي العراقي بزيارة رسمية الى سوريا والتقى هناك مع المسؤوليون السوريين وفي المقدمة الرئيس نور الدين الاناسي.
تحدث الرئيس الاناسي مع وفد قيادة حزبنا بخصوص عدوان حزيران عام 1967 والموقف على الجبهة السورية. كانوا امام خطرين حسب قوله: خطر اسرائيل التي تستهدف احتلال الارض وخطر سليم حاطوم المتواجد في الاردن الذي يستهدف اساقط النظام والقفز الى قيادة السلطة وعليه اختاروا الخيار الثاني كما ذكر. فالارض اذا مافقدت يمكن استعادتها في المستقبل اما النظام اذا سقط لن يستعاد ابداً... وعليه تركوا الجولان للقوات الاسرائيلية لتحتلها دونما أي قتال وابقوا قواتهم في دمشق لمواجهة سليم حاطوم عندما يجتاز الحدود ويتوجه الى العاصمة لاحتلالها واسقاط النظام. وبالفعل عندما دخل سليم الارض السورية بقواتهى التي يقودها تمت الاحاطة به واعتقل واعدم وحافظوا على النظام. رفاقنا بعد لقائهم مع نور الدين الاناسي توجهوا الى مقر اتحاد النساء الذي تقوده نساء بعثيات، هناك وجدوهن يتهجمن على الاتحاد السوفيتي وعندما استغربوا موقفهن باعتبار الاتحاد السوفياتي صديقاً لسوريا كن يردن قيام الاتحاد السوفياتي بالقتال الى جنبهم في الجولان. الذي اذكره جيداً ان احد اعضاء الوفد خاطبهن بالقول (ان موقفكن هذا يذكرني ببني اسرائيل عندما قالوا للنبي موسى اذهب انت وربك فقاتلا اننا ها هنا قاعدون ((تريدون من الاتحاد السوفياتي الذي يبعد عنكم الوف الكيلومترات القدوم بقواته الى الجولان للقتال بدلاً عنكم وقواتكم محتشدة في دمشق خوفاً من سليم حاطوم))!!.

رابعاً: الاتحاد السوفياتي

الاتحاد السوفياتي كما قلت طلب من مجلس الامن في اليوم الاول للحرب، اصدار قرار يدعو لوقف اطلاق النار على ضوء مكالمة عبد الحكيم عامر المشار اليها. في نفس اليوم اتصلت القيادة السوفياتية بالرئيس الجزائري هواري بومدين لتخبره بتدمير الطيران المصري، طلبوا منه في المكالمة ان تنقل الى مصر عبر ليبيا كل ماموجود في الجزائر من طائرات حربية واعداد قائمة بها وان الاتحاد السوفياتي مستعد لان يقدم للجزائر طائرة حربية مقابل كل طائرة يرسلونها الى مصر. رفض الرئيس الجزائري ذلك الطلب رفضاً قاطعاً ولم يبعث الى مصر ولا طائرة حربية واحدة. والطريف بالامر انه وقف بعد انتهاء الحرب بأيام يلقي خطاباً يهاجم فيه الاتحاد السوفياتي لانه كما قال في خطابه لم يساعد العرب في حربهم ضد اسرائيل. علمت حينها ان السوفيات اتصلوا بالرئيس الجزائري عندما علموا بأمر خطابه الذي يهاجمهم فيه وهددوه اذا لم يغلق الفم ان يذيعوا تسجيلات للمكالمة ولتسمع الشعوب العربية انه وباللغة العربية كان يتكلم ويرفض طلب السوفيات ارسال الطائرات الى مصر. بعد انتهاء الحرب، اجتمعت القيادة السوفياتية وقررت تعويض مصر عما اصابها من أضرار واعادة تسليح مصر بأحدث الاسلحة. وبدون مقابل هدية من الشعوب السوفياتية لجمهورية مصر العربية. وبدؤوا بشحن تلك الاسلحة الى مصر فعلاً. فكان من بين تلك الاسلحة صواريخ متطورة ضد الجو لا يعرف الجندي المصري كيف يستخدمها بكفاءة ضد الطيران الاسرائيلي فارسلوا مع الصواريخ طواقم اطلاقها وتوجد لدي معلومات رسمية بان بعض العسكريين السوفيات قد استشهدوا على ضفة قناة السويس الغربية وهم يستخدمون تلك الصواريخ ضد الطائرات الاسرائيلية المغيرة. وواصلوا جهودهم من خلال مجلس الامن من اجل ليس فقط ايقاف القتال بل والزام اسرائيل بسحب قواتها من الاراضي العربية التي احتلتها في تلك الحرب والعودة الى حدودها الدولية القائمة قبل العدوان. ونجح في اصدار قرار من مجلس الامن الدولي بهذا الاتجاه. أما القرار الذي اعد من قبل وزير الخارجية البريطانية انذاك اللورد كارادون الذي صاغه وثبت فيه صيغة لا تزال اسرائيل تستند اليها في تمسكها ببعض الاراضي التي احتلت فهو لم يستخدم ال التعريف في صياغته لمشروع القرار الذي جاءت صيغته انسحاب اسرائيل من ((اراضي احتلت)) وليس انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلت)) وكما ورد في القرار ((فروم لاند)) بدلا من القول ((فروم ذي لاند)).
خامساً: قضية السفينة ليبرتي

طيلة ايام الحرب الستة لم ترد اية اشارة الى السفينة ليبرتي العائدة للبحرية الامريكية ولم يكن بعلم بمكان تواجدها احد ولا المهمة التي تؤديها غير اسرائيل والامريكان، وبعد انتهاء العمليات الحربية وتوقف القتال قامت الطائرات الاسرائيلية بالاغارة على السفينة ليبرتي التي اتضح انها كانت راسية في البحر الابيض المتوسط قبالة قطاع غزة ودمرتها بالكامل واغرقتها. كان ذلك الامر ملفتاً للنظر واتضح انها مخصصة للتجسس وغرفة عمليات حربية متكاملة، بسرعة استطاعت فك شفرات الاتصالات بين القيادة المصرية والقوات المتواجدة في سيناء وبالعكس وتحولت هي الى غرفة عمليات قيادة مصرية تصدر التوجيهات الى القوات المصرية المقاتلة. وعلى ضوء ذلك شلت الاتصالات بين القيادة المصرية والقوات المقاتلة في سيناء حتى انتهاء الحرب.. فكانت الغارة الاسرائيلية عليها واغراقها ولتضيع معها تحت مياه البحر الابيض المتوسط كل اسرارها. وعليه اقترحوا على الرئيس المصري ان تفتح وبسرعة دورة تدريب طيارين مصريين جدد شرط ان يكونوا من أبناء العمال والفلاحين.
بعد فترة وجيزة من التدريب للطيارين الجدد أصبحت لدى مصر قوة جوية جديدة غير القوة السابقة، قوة جوية من طائرات حديثة يقودها طيارون من ابناء العمال والفلاحين، لا تناقض في المصالح الطبقية بينهم وبين النظام وقد رأى العالم كيف قاتل اولئك الضباط بشجاعة في حرب أكتوبر عام 1973 اذ بعد ان شلوا خط بارليف واخرجوه من المعادلة القتالية واصلوا مهاجمتهم للقوات الإسرائيلية المتراجعة الى الخلف مدحورة مؤمنين بذلك سلامة العبور للقوات البرية فوق الجسور العسكرية التي أقيمت على القناة دون اية خسائر تذكر. وللتاريخ اشير هنا الى ان أول سرب قتالي عبر القنال في حرب أكتوبر 1973 كان سرب طائرات الهوكر هنتر العراقية الذي كان متواجداً في مصر يقودها طيارون عراقيون. ستة ايام فقط استطاعت اسرائيل خلالها ان تهزم القوات المسلحة العربية وان تحتل مساحات شاسعة من اراضي البلدان العربية المجاورة لها ومازالت إسرائيل تماطل في الانسحاب منها والعودة الى حدود ماقبل الخامس من حزيران 1967.
لقد مرت عشرات السنين على عدوان الخامس من حزيران 1967 والذي يسمى بحرب الايام الستة وجاءت بعدها حرب أكتوبر 1973 وقبلها كانت حرب عام 1948 لتعطي الدليل الكافي على انه لا يمكن خوض حرب تحريرية ولاخوض حرب الدفاع عن الوطن من قبل حكومات تقمع الديمقراطية في بلدانها وتخشى اطلاق مبادرات الجماهير وكل ما تفكر فيه هو كرسي الحكم وامتيازات السلطة.