المنبرالحر

الطريق مقطوع / قيس قاسم العجرش

أسوأ صفحات الفوضى والغرق الطائفي هي تلك الصفحة التي تنقطع فيها السبل بين أبناء الشعب الواحد وينعدم التواصل.
كركوك لم يعد الوصول إليها سهلاً على ابناء الوسط والجنوب، واقليم كوردستان صار الوصول إليه ينحصر بالخطوط الجوية باستثناء بعض سيارات الأجرة التي تخاطر بالولوج في مناطق غير آمنة في ديالى وطرق ملتوية غير مباشرة.
لن نتكلم عن رئيس الإقليم ومشاكله مع رئيس الحكومة في بغداد، أو إنها تبدو بهذا الشكل...إنما نتكلم عن ملايين الناس القاطنين في الإقليم، عراقيون موجودون هناك منذ الأزل ولديهم علاقات مع باقي انحاء العراق منذ الأزل أيضاً.
العام الماضي في موقع تل شمشارة، قرب قضاء رانية صادف ان رافقت بعثة آثارية هولندية دنماركية مشتركة كشفت عن تل آثاري يعود الى العهد السومري في الألف الثالث قبل الميلاد.
سألت الدكتور غيسبوم وهو رئيس البعثة عن سبب بناء هذا الحصن الذي انكشفت بقاياه الآن في هذا الموقع. أشار بيده الى الغرب الى محل فتحة في الجبل باتجاه قلعة دزة تشكل درباً تجارياً قال عنه أن هذا الممر موجود منذ الألف السادس قبل الميلاد وحرصت السلطة في أور(الناصرية)وفي عهد نرام سين بالذات على إقامة حصن يؤمن ما يشبه الإنذار المبكر عن أي غزوة تستهدف الطرق التجارية، الدكتور غيسبوم قال: لسبب ما حرص السومريون أشد الحرص على تأمين هذه المنطقة لإدامة العلاقات التجارية مع الوسط والجنوب.
وفي المتحف العراقي وقفت مذهولاً امام تمثال للملك السومري أنتي مينا المصنوع من حجر غرانيت وزنه 200 كغم جلب له خصيصاً عبر الممر التجاري الرابط بين جبال زاكروس والمنطقة الجنوبية وهو ممر عرفت فيما بعد أنه يمر بمنطقة بكر جوو قرب مطار السليمانية حالياً.
واضح إننا نتحدث عن سكان حضارة مترابطة بالتجارة والعمل والتبادل رغم اختلاف المكان واختلاف اللغة، إلا انهم أبداً لم يتخلوا في كل مراحل الضعف والقوة عن روابط المصلحة المشتركة واستدامة الصلة.
سرجون الآكادي بسط هيمنته على المناطق الجنوبية من كردستان العراق قديما ضيّع حفيده ريموش هذه السيطرة لحساب مملكة اللولوبيين التاريخية ثم تلتها مملكة أوربيلوم وهذه فقدت سيطرتها على الممرات بعد هزيمتها أمام الملك الآشوري شامش أدد في القرن الثالث عشر قبل الميلاد الذي حكم الممرات الجبلية بقسوة لم تستمر طبعاً.
تصوروا ...كل هؤلاء جاءوا ومضوا ...وبقيت صلة الناس بعضها ببعض لم تنقطع ...لنتصور بعد هذه الجردة فظاعة قطع العراقيين عن التواصل مع بعضهم والى أين ستقود هذه القطيعة .