المنبرالحر

سرقة زمن الصمت/ د. علي الخالدي

بالكاد إستطاعت أطراف النهج الطائفي التوصل، وبالتوافق أيضا الى إنتخاب رئيس البرلمان ونوابه ورئيس الجمهورية ، بينما أبقت منصب الرئاسة الثالثة، صاحبة الرقم الصعب ليتخمر بمفعول العامل الخارجي ، سيما وأن العرف السياسي الطائفي لتوزيع مناصب الرئاسات يراد تحويله الى قاعدة دستورية ، على ضوئها تتم هيكلية الوزارة واﻹدارات ، في عملية " كلمن إيريد إيحيد النار لكرصته "، دون اﻷلتفات الى أن في هذه المرة أستعرت النار ظاهريا داخل البيت ، الذي منح أحقية البت بالعرف المتعارف عليه ، بتشخيص من سيقوم بمسؤولية إطفائها ، ضمن عامل الزمن الضاغط ، ومن ثم شحذ الهمم في التصدي جمعيا لمشاريع تهديم البنية اﻷجتماعية لنسيج المجتمع العراقي ، وتفليش كيانه الجغرافي، لكن كل ما تعرفنا عليه مسبقا، إن إنشغال أطراف التوافقات السياسية، بعملية حل عقدة الرئاسة الثالثة ، على حساب العقدة الرئيسية التي تمر بها البلاد ( غزو داعش وأخواتها) ، من أن الهمجيين الداعشيين ، وأعداء العملية السياسية ، استغلوا الزمن الضائع ليقووا قبضتهم على المدن التي غزوها لتصبح منيعة اﻷختراق ، وخاصة بعد أن أنجزت داعش بنجاح مهمة التمدد الجغرافي المرسوم لها ، و خطتها بالتهجير القصري ﻷبناء شعبنا المسيحي، و تسكين الغرباء في بيوتهم مع جعل محتوياتها غنائم لهم ، بعد تخييرهم بين حد السيف أو مبايعتها ، ففضلوا الخروج من بيوتهم ، بما عليهم من ملابس على اﻷنصياع لممارساتها الهمجية ، فتحولت الموصل الحدباء الى مدينة أشباح يجول ويصول بها الغرباء . وبكل ما لديها من حقد وكره للتواجد المسيحي الذي فرضته الحاجة الماسة لنشر المحبة و وئام التعايش بين الشعوب، قبل ما يزيد عن آلاف السنين كما تدل الشواهد التراثية والقيم الحضارية لوادي الرافدين. والتي تدك وتحرق حاليا ، مع كل ما يمت بصلة لهذا الوجود من كنوز إنسانية حضارية ، من كنائس وأضرحة اﻷنبياء وأماكن عبادة من لا يبايعها ، و مما زاد الطين بلة النهج البربري ، هو عدم إستنهاض المعنيين ، للمجتمع الدولي ومنظماته المعنية بالتراث العالمي ، لتحمل مسؤولية الحفاظ على الكنز اﻷنساني والحضاري للشعب الكلداني الآشوري السرياني ، والتراث الذي ورثه في نينوى وبابل وأور، و خاصة بعد أن تبين عجز الحكومة العراقية ومؤسساتها اﻷمنية في التصدي للغزاة.

نعم فلحت داعش وأخواتها في حسن إستغلال وقت إنشغال القائمين على القرار، بالعبث باﻷوليات المطلوبة ، فوضعت كيفية توزيع المناصب بينهم في أولياتها ، على حساب أية أعتبارات أخرى تعالج الكارثة اﻷنسانية والحضارية ، التي المت بنا ، وتعيد اﻷعتبار لكرامتتنا التي مزقتها داعش .

فسياسة اللامبالاة ، وما يشبه الصمت الداخلي والعالمي تجاه ما يتعرض له الوجود المسيحي في العراق ، والذي بدأت بوادر تطبيقه منذ عام 2005، عندما بدأت تترعرع وتروج فكرة إقامة اﻹقاليم بين المحافظات في فكر البعض ، والتي سرعان ما طورها بايدن على أساس طائفي مناطقي . فمنذ ذلك الحين إبتدأ التهجير القسري للمكون المسيحي بهذا الشكل أو ذاك من مناطق الوسط والجنوب حصريا ، وتدريجيا تصاعد ليمتد ليشمل الصابئة المندائيين ، وسط إستنكار خجول من القائمين على النظام وصمت مرجعياتهم ، بالتزامن مع حملة تغييب عملية التثقيف بتنمية الروح الوطنية بين المواطنين ، وحجب ثقافة المعرفة ومنع كل أنواع الفن اﻷنساني ( الموسيقى والسينما والمسرح ) فمورس الخطف والقتل والتهجير لهذه اﻷقليات ، وإنسحب ليشمل العديد من العلمانيين ، ومن حاملي الفكر التنويري ، بكواتم الصوت ، ولا سيما بعد المطالبة بإيقاف تردي اﻷوضاع السياسية واﻹقتصادية وغياب الديمقراطية اﻹجتماعية ، وتفاقم التستر على سرقة المال العام والتحايل على إتمام مشاريع اﻹصلاح ، تحت طائلة المحابات والعلاقات الطائفية
إن كل ما يعني شعبنا حاليا أن تتوجه كل الجهود نحو اﻹسراع بإخماد سعير لهيب التوافقات المزمن ، وتبني مصالح الشعب والوطن الملحة ، والقاضية بتوجيه كل الجهود ﻷيقاف تمدد داعش و ممارساتها الهمجية عبر دعم الجيش بكل الوسائل المتاحة ليحرر المناطق التي دنستها. وكل ما ماتخشاه الجماهير، أن تعود حليمة لعادتها القديمة عند تشكيل الوزارة ، فَتُبعد عنها الكفاءات لتقتصر على عناصر من داخل اﻷطر الطائفية وضمن المحسوبية والمحاباة ، فتخيب أحلام الجماهير الشعبية بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على تحقيق التغيير الذي تنشده . لقد أعطتنا سياسة العبث باﻷوليات المطلوبة وضرورة تقديم اﻷهم على المهم معرفة مسبقة ، بأن زمن الحمل و ولادة الحكومة سيطول لحين التوصل الى اﻹتفاق على توليدها بعملية قيصرية على غرار عام 2010 ، وعند ذلك تكون داعش قد إستثمرت الصمت بتعجيل عامل الزمن ، وسرقت وقت اﻹسراع ، بتطهير بلادنا من رجسها وتعطيل التوجه نحو نصرة المهجرين قسريا من مدنهم