المنبرالحر

النهوض بالمسؤولية ليس بمنة/ د. علي الخالدي

إن أغلب ما يكتب عن مآسينا ومحننا هذه اﻷيام لا يتعدى ، الوجهة اﻷستعراضية للأحداث ، وغالبا ما تتخذ طابع المقارنة ، بين الماضي والحاضر ، باﻷرتباط مع تراثنا الثقافي والحضاري الذي سحق ، ونسفت أسسه ومقومات تطوره ، على أيدي الدكتاتورية . ومن بعد سقوط الصنم تعمقت اﻷزمات و شملت متغيرات أمنية وبيئية وإقتصادية وفكرية وإجتماعية وأخلاقية ، نتيجة تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، رغم صيحات الجماهير وقواها الوطنية ومنظمات المجتمع المدني إن عبر الكتابة ، أو التظاهر ، الذي جوبه بالقوة المفرطة من قبل القائمين على النظام ناهيك عن إغتيال رموز الثقافة الوطنية ، ومع هذا لم تجر أية معالجات جدية للحد من تبعات السير به لآخر المشوار ، وهو يبني أسس مآسي وويلات ومعوقات تراكمية ، تحكمت بمسار العملية السياسية ، وبالتالي أجهضتها . مما أثار إستياء شعبنا من هذا النهج المقيت ، خاصة عندما جنح القائمون عليه خلال العشر سنوات المنصرمة ، الى اﻹمعان في التجييش الطائفي ، فالبعض ممن سيطر وإحتكر موقع القرار نهض بمسؤوليته، وكأنه يقدم منة وتفضل للشعب، وليس واجبا كوفيء علية بمرتبات ومخصصات و حصانة ، يحسده عليها نظراءه في الدول اﻷخرى ، الذين يلتزمون الحذر من الوقوع تحت طائلة محاسبة الجماهير لهم فيسرعون للإستقالة ﻷبسط هفوة تحدث في إدارتهم . فجماهير شعبنا لمعرفتها المسبقة ، إن مجرد التقرب من هذا النهج ( المحاصصة الطائفية واﻷثنية ) يفتح الباب لمواصلة مزالقه وويلاته ، وهي تشاهد محاولات فرض تجريب المجرب في البرلمان وفي الكابينة الوزارية ، فالبعض منهم ، لم يحصد سوى الفشل في مهامه ، ناهيك عن رائحة الفساد التي فاحت منهم ، والبعض الآخر سَلَمَ إرادته بالخضوع لسطوة رئيس الكتلة ، ففقد القدرة على كسر اﻷعراف والتقاليد العشائرية والمحسوبية واﻹنحياز الطائفي ، الذي وثقه مفهوم إطاعة أولي اﻷمر ، كي تتواصل الدروب الملتوية للنهج السابق ، بشكل مباشر أو غير مباشر والتي تؤدي بالضرورة الى تعميق تحجيم اﻷعراف التراثية لمعاني الروح الوطنية العراقية ، وتعزيز المواقع الطائفية في القرار ، وبالتالي تواصل تغييب الديمقراطية وخاصة اﻹجتماعية ، التي هي أساس ابقاء نسيجنا اﻷجتماعي متماسكا ، وسلمنا اﻷجتماعي قويما ، خاصة بعد أن تعرفنا على التخريب الذي نالهما بعد غزو داعش وأخواتها للعديد من بلداتنا ، مما يستنهض كل حريص على سلامتهما للتصدي لكل ما يعيق عملية التغيير التي تترقبها الجماهير من الحكومة الجديدة ، فإذا لم تُتَخذ إجراءات عملية وخطوات ملموسة على اﻷرض ، تأخذ بنظر اﻷعتبار وجهات نظر القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ، التي شخصت السبل في تليين سقوف مطاليب وتذليل الصعوبات ومواقف الكتل المتحاورة لتشكيل الكابينة الوزارية ، أمام المكلف بتشكيلها الدكتور العبادي ، عبر الدعوة لعقد مؤتمر وطني للقوى السياسية والمشاركة في العملية السياسية ، يرشد البرنامج الحكومي، ويستقوى بتنفيذه على القاعدة الجماهيرية الواسعة . برنامج يعيد الروح للهوية الوطنية العراقية ، يضع في أولياته رغم ثقل وتراكم الموروثات ، إتخاذ موقف موحد ضد العودة لإحياء النهج الطائفي ، بأي شكل كان، و ضد إستنباط طرق ملتوية قد تُغَيب الشكل الظاهري الذي يسعى لتحقيقه الطائفيون وقراصنة السياسة ، وضد إبعاد التعويل على ذوي الكفاءة المهنية ، والذين يتمتعوا بحاسة شم قوية للفساد اﻹداري والمالي بالتزامن مع تطبيق فكرة الترشيد في اﻷجهزة الحكومية ، وتطعيمها بمن يملك القدرة على بناء الثقة التي فقدت بين ألحكومة والبرلمان والمواطن على حد سواء ، برنامج لحكومة يضع في أولياته أيضا تطبيق ما إتفق عليه دستوريا ، والغاء الفقرات التي تعيق تطور العملية السياسية واﻷصلاح ، ويَشرع بتطهير جهاز الدولة من القمة الى القاعدة من الفاسدين والمزورين والمتلونين ، ويطبق قواعد من اين لك هذا ، و يصون الدين من السياسة ويحمي القضاء من التدخل في شؤونه ، برنامج يقرب تطبيق الديمقراطية من اﻷنسانية والعدالة اﻹجتماعية ، وإستمرارية تطورهما في عملية إصلاح تشمل كافة القطاعات ، مؤتمر وطني يضع إستراتيجية وطنية عامة للخروج من اﻷختناقات التي شملت كافة اﻷصعدة بالتغيير المشود، وإعادة الحياة لكل ما يتعرض الى اﻹندثار من صناعة وزراعة ، ﻹستيعاب البطالة المتفشية في صفوف الجماهير ، برنامج يضع حد ﻷتساع رقعة الفقر في أوساطها ، برنامج كفيل بإيجاد مستلزمات الخروج من المحن ، التي تدور في فلكها ، والتصدي لمعالجة كارثة داعش التي حلت بمكونات مجتمعنا ، عبر دعم وإسناد التنسيق بين قواتنا المسلحة ، وقوى شعبنا التي حملت السلاح لتطهير مدننا من بربرية داعش ، بالتزامن مع نشر ثقافة المحبة والسلام بين مكونات المجتمع ، وتعميق ثقافة الواجب الوطني بما يكلف به المسؤول ، وما ينجزه في موقع المسؤولية ليس بمنه ولا فضلا منه على الوطن