المنبرالحر

/ د. علي الخالدي *تعاليم المسيحية وفعالية الفكر التقدمي

على مر الزمن لعب المسيحيون دورا كبيرا ، ليس في نشر اﻷفكار اﻹنسانية وترسيخ ثقافة الهوية الوطنية في مناطق تواجدهم فحسب ، وإنما في الحفاظ على التراث الحضاري والتقاليد العريقة التي كانت شائعة قبل آلاف السنين ، وطوروها في إطار اﻷفكار القومية والهوية الثقافية الوطنية للشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها ، ففي العراق من ينكر دور اﻷب أنستاس الكرملي في اﻷدب العربي ، وعائلة بطي في الصحافة العراقية ، ناهيك عن شجاعتهم وبسالتهم ونبلهم في حركات التحرر الوطنية في فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والعراق وكردستانه . ومع ظهور اﻷيديولوجيات اﻷقل تسامحا والتي سيطرت على المنطقة ، و من ثم بروز التشدد اﻹسلامي في المنطقة ، أتُخذت عدة إجراءات قسرية بحقهم ، وبحق أخوتهم في الشراكة الوطنية من بقية اﻷديان و حاملي اﻷفكار التقدمية ، هذه اﻹجراءات بمجملها شكلت عاملا ، وممهدات تقضي بإخلاء المنطقة من تواجدهم . هذه اﻷفكار والمواقف راجت وإنتشرت في أوساط إفتقرت الخصوصية في معرفة حقوق اﻷنسان واﻷنسانية ، بحيث اضحى حاملوها أقل حساسية ﻷنتهاكات حقوق اﻷقوام اﻷخرى، وقد تجسدت أهدافهم ، بالدرجة اﻷولى في التصدي لمقومات إشاعة العدالة اﻷجتماعية وترسيخ السلم اﻹجتماعي وإشاعة المحبة وروح التضامن بين الناس
ومع هذا إستمرت مطالبة بابا الفاتيكان للمسيحيين وكنائسهم ، بالصفح عن من أساء اليهم ، و بالوقوف بجانب الفقراء ونصرتهم، ونتيجة ذلك قيل عن بابا الفاتيكان مؤخرا بأنه ماركسي ، لتماهي ما يطالب به مع ما يدعو اليه الماركسيون ، وقبل ذلك قال فيدل كاسترو، أن التعاليم الماركسية قريبة للمسيحية. و يؤكد هذا ما توصل اليه بعض الآباء، من أن هستريا معاداة الماركسية هي واحد من أسباب إندلاع الحروب وتواصل التنافس على السيطرة على مقدرات الشعوب ، مما حفز كلا الطرفين ( المسيحيون والعلمانيون ) النهوض بمسؤولياتهما ، في التغلب على معوقات الحوار فيما بينهم من جهة والمذاهب واﻷديان من جهة ثانية للعيش سويتا على مباديء المحبة والعلاقات اﻹنسانية
فمعاداة العدالة اﻷجتماعية ، تنتشر بشكلها الساذج في أوساط التشدد اﻹسلامي ، متخذة وجهين ديني وعلماني ، فاﻷول يبنى على أساس تكفير كل من يحمل أفكار تحد من الفرض واﻹجبار ، وتدعو الى المساواة بين الجنسين ، وترفض مبايعتهم و عدم اﻹنصياع لمفهوم وأطيعوا أولي اﻷمر . بينما الكنيسة والماركسيين (العلمانيين) يسعيا لتحقيق العدالة اﻹجتماعية والمساواة ، والطرفان يناديان بالعدالة والسلام والحرية والوئام ، ولا يفرضانها قسرا، ويسعيان الى العيش في وفاق مع سائر الناس ومن مختلف العقائد واﻹفكار ، يحترمان اﻷفكار وعقائد الطرف الآخر ، ومن يطلع على أدبيات الحزب الشيوعي العراقي مثلا وموقفه من الدين يقرأ ... حزبنا يحترم الدين والقناعات الدينية لشعبنا ، إنطلاقا من اﻹيمان بحق اﻹنسان في يقينه ومعتقده وبما لا يتعارض مع مصالح الشعب ، وهذا ما دعا الكثير من المؤمنين اﻹنخراط في اﻷحزاب الشيوعية ،وأن يعملوا على خدمة الناس باﻷسلوب الذي تنص عليه معتقداتهم ، و يواصلون المساعي من أجل التغيير وترسيخ مفاهيم العدل والمساواة عبر الحوار المستمر الذي يبحث عن تطور السبل التي يمكن بواسطتها بلوغ هدف ، نشر الديمقراطية مع اﻷطراف اﻷخرى ، ليتمتع فيها غالبية الشعب فعليا ، وليتشمل جميع مناحي الحياة السياسية واﻹقتصادية واﻹجتماعية ، وهذا ما دفع الكثير من القادة السياسيين وخاصة الماركسيين بإعتماد مقولة لا ضير من أن تكون متدينا وتعمل في حزب يساري ، كما أن الكنيسة لم تلزم المسيحيين بعدم اﻹنخراط في أحزاب يسارية ماركسية ، وكما تشير الوقائع فقد إنخرط العديد من المسيحيين في أحزاب يسارية وطنية و ثورية في أمريكا الأتينية بمافيهم آباء وقساوسة ، وهم يؤدون إلتزاماتهم الدينية قولا وفعلا بجانب مسؤولياتهم الوطنية واﻹنسانية ، و منهم من قدم حياته في سبيل ذلك ، فمؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان فهد مسيحي كلداني، لم يقبل التهمة المختلقة الموجه لكل شيوعي بالدعوة الى اﻹلحاد وتشجيع الكفر ، ومقر الحزب الشيوعي العراقي في القوش البطلة تزدهر جدرانه بصور شهداء الحزب ، من سكان هذه المدينة المسيحية ذات اﻷغلبية الكلدانية ، التي قيل عنها إن جل ما عانته من إهمال تقف خلفه ، روح الوطنية التقدمية ، التي إصطبغ بها أبناؤها المسيحيون من الكلدو آشور. ونصب الراحل توما توماس ، يوثق مقولة أنه ليس ثمة تناقضات بين المسيحية ومريدي العدالة اﻹجتماعية والسلم اﻹجتماعي ( الشيوعيين) ، كما أن ذوي التفكير اﻷكثر واقعية منهم يدركون ، بأنه قد تعتور مسيرتهما أخطاء ، ﻵ بد من تقويمها في القرن الحادي والعشرين، ضمن ما ينبغي عليه من إحترام عملية التكامل الحقيقي في التغيير ، لكن أصحاب السوق والجشع اﻷقتصادي ، يحاولون بشتى الوسائل الى إيجاد سبل لزرع التفرقة بين مريدي العدالة اﻹجتماعية ، فكلا المسيحيين والماركسيين يشتركون بتحقيق مفاهيم سماوية كما يقول فيدل كاسترو ، وكلاهما تقاسما عنف القوى الظلامية والقومية المتشددة ، و تكريما ﻷخلاصهم في خدمة مصالح الشعب يُستوزروا في العديد من الدول ومنها عراقنا الحبيب حيث إسندت وزارة العلوم والتكنولوجيا الى مسيحي شيوعي ، ليكسر بذلك طوق الطائفية والقومية المقيتة التي جلبت لشعبنا اﻷزمات والويلات ولتعزز الهوية الوطنية.
طوبي لمن يصنع الفرحة في قلوب الناس.

العنوان مقتبس مما قاله وزير العلوم والتكنولوجيا في مقابلة مع موقع عينكاوة *