المنبرالحر

الى متى يا بغداد؟ / ابراهيم الخياط

يقول السيد التاريخ في كتابه السديد ان هولاكو حاصر بغداد ثم دخلها سنة 1258م، فاهتز العالم لسقوط عاصمة الخلافة العباسية بيد المغول، وبلغ الحزن زباه حتى ظنت الناس أن العالم على شفا القيامة، بالنظر الى هول المصيبة التي حلّت، حيث استبيحت الزوراء ووصل عدد قتلاها المليون، ونهبت المساجد والقصور والمكتبات والمشافي ثم احرقت، ودمرت مكتبتها الكبيرة حتى اسودّ ماء دجلة من الحبر الهائل المسفوك، وحتى ان هولاكو اضطر لنقل معسكره بعيدا عن بغداد، هربا من رائحة الجثث والخراب، وظلت المدينة مهجورة لسنوات عدة.
أما تيمورلنك ففي سنة 1400م قدم الى بغداد وهاجمها بقسوة، فدمر أسوارها، وأحرق بيوتها، وقتل عشرات الآلاف من أهلها، فسقطت مسبيّة بيده الآثمة، وقيل انه ألزم من معه أن يأتيه كل واحد منهم برأسين من أهل بغداد، فكان رقم المفتوك بهم في يومين مئة ألف إنسان، هذا سوى من ألقى بنفسه في دجلة هربا فغرق في لجّته.
وأما في مستهل حزيران 1941، وبعد هروب حكومة الكيلاني من بغداد، هبّ الرعاع والغوغاء والقومجية الشوفينيون المتطرفون وأنصار نادي المثنى وكتائب (هيا فتوة للجهاد) وعصابات الجريمة المنظمة وبعض من ضباط الشرطة والجيش وهم مسلحون بالخناجر والعصي والسكاكين ليقوموا بعمليات (الفرهود) التاريخية، في غارات على دور اليهود ومحلاتهم التجارية. وكان البيت اذا أقتحم فانه يُنهب، وقيل ايضا: يُغتصب صبيانه وبناته قبل النهب، وان من القتل شاع تهشيم الرأس بيدة الهاون. وخلال ست وثلاثين ساعة فقط من غياب السلطة كانت الحصيلة: المئات من القتلى والجرحى والاغتصابات والمنازل المدمرة، وسرقة أملاك بملايين الدنانير ومنها دراجات هوائية وسيارات، وما أثار دهشة السيد التاريخ شيوع اهزوجة نشاز بعد ذلك تقول: (الله اشحلو الفرهود.. ريته يصير يومية).
ويوم الجمعة 8 شباط 1963، جاء نازيون جدد على وقع نشيد "الله أكبر" ونشيد "جيش العروبة يا بطل" لأم كلثوم، ونشيد "لاحت رؤوس الحراب"، اذ تناخى الرجعيون وبقايا الاقطاع والعملاء الرسميون والقومجية القدامى والجدد والبعثيون "النشامى" تباركهم شركات النفط، أتوا بقطار أمريكي عتيد لوأد حلم وحرية العاشق جواد سليم.
نفذت الجريمة باطار مقنن اذ اعلنت دار الاذاعة القرار (13) الذي دعا الى الابادة بصورة صريحة ومباشرة وفريدة في العالم. وفي الاسبوع الاول قتل خمسة آلاف مواطن، وغيّب وسجن أضعافهم، وامتلأت المزارع والصحارى واعماق الانهار بجثث الضحايا من النساء والرجال، من الرموز والعامة، وشاع التعذيب والاغتصاب، وصارت الملاعب والمدارس والمكتبات أماكن للاعتقال، وحظائر لقطعان الحرس القومي.
والان فمنذ 2003 تسبح بغداد في بركة دم حفرها الذوات في أعلاه أنفسهم، مع جيل جديد من الدراكولات المحسّنة. ففي مقطع يومين مثلا نكبوا بغداد الجديدة، واستباحوا الكرادة، وأبادوا الصقلاوية، ونهشوا الكاظمية بالاسلحة كلها، حتى أن الحضرة المقدسة اغلقت عشيتئذ ولأول مرة أبوابها خوفا على زوارها، فآثرت زائرةٌ "حسچة" أن تئن وتولول وتحشد، ولكن أبدلت مفردة "فكن" بـ "زيدن":
كلچن يامظلومات للكاظم امشن
ويم سيد السادات زيدن حزنچن